مقالات

أحمد سعد يكتب: إيران وحماس.. والصفقة الأمريكية

لا أجد مبررا واحدا يدعوني للخوض مع الخائضين في إمكانية تدخل إيران للدفاع عن غزة في حربها الحالية ضد الكيان الصهيوني المحتل!!

ولا أدري من وراء تلك الخيالات الخادعة التي تتردد منذ نشوب الحرب في السابع من أكتوبر وحتى الآن عن أن إيران تدعم غزة ماديا ومعنويا دون أن نرى لهذا الدعم صدى حقيقي على أرض الواقع!!

هناك عشرات الشواهد التي تدفعني للجزم بأن إيران لا يمكن لها أن تدخل الحرب الجارية لنصرة الفلسطينيين في غزة أو غيرها كما يأمل البعض، بل لا أجد حرجا في الدفع باستحالة دخولها من الأصل حربا ضد إسرائيل.. فمن حيث التاريخ فإيران لم يسبق لها خوض أية حروب ضد إسرائيل منذ احتلال الأخيرة لفلسطين قبل 75 سنة، بل إن إيران كانت داعمة لإسرائيل في كثير من المواقف، يكفي الإشارة هنا إلى أنها أي إيران كانت هي الممول الأول والأكبر لإسرائيل بالبترول أثناء حروبها الثلاث مع مصر 56 و67 و73، وهذا واقع أقر به المراقبون والمحللون الذين شهدوا تلك الحروب ومنهم الكاتب الصحفي الشهير الراحل محمد حسنين هيكل والذي أكد هذا الأمر في حوار له مع الإعلامية لميس الحديدي في 2014.. يخبرنا التاريخ أيضا بعمق العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية -الراعي الرسمي لإسرائيل- وإيران، وإن كانت هذه العلاقات قد اهتزت أو تغيرت في أعقاب الثورة الإيرانية 1979 وبدت متوترة ومتأزمة، إلا أن تأزمها ظل عند حدوده الثابتة التي لم تتخطاها، المقتصرة على التراشق السياسي وتبادل الاتهامات الكلامية، وفي أشد الأحوال توقيع عقوبات صورية من جانب أمريكا على إيران مثل تجميد الأموال وفرض الحصار الاقتصادي، دون أن تتطور تلك الخلافات إلى معركة حربية أو حتى مناوشات عسكرية!!

هدايا أمريكا لإيران

ومن يقارن بين الموقف الأمريكي في العراق 2003 ومواقفها من إيران، يدرك أن ما يجري بين أمريكا وإيران من خلافات لا يتعدى التهريج والمزاح السياسي واستغفال الرأي العام..

وما نراه الآن بالعين، وليس مع العين أين، من هدايا ثمينة تقدمها أمريكا لإيران لتوسيع نفوذها السياسي والجغرافي داخل الوطن العربي، يجعلنا نبصم بالعشرة بأنهما حليفان تربطهما عروة وثقى لا تنفصل أبدا، يكفي الإشارة هنا إلى ما فعلته أمريكا بالإسلام السني بمنطقة الشرق الأوسط خلال العشر سنوات الأخيرة بزعم محاربة داعش، وكان الهدف في الأصل هو إفساح المجال أمام التمدد الواسع للمذهب الشيعي، وهو ما سهل مهمة إيران في الانتشار الكبير وتوسيع نفوذها بالمنطقة، ولا أظن أبدا أن أمريكا بكل هذا الغباء الذي يجعلها تدفع بكل قوتها وإمكاناتها المادية والعسكرية والتكنولوجية للقضاء على قوى الإسلام السني، لتمهد أرضا أمام عدوها الأول والأكبر بالمنطقة وهو إيران، لتصل إلى ما وصلت إليه في الوقت الحالي من قوة وبسط نفوذ، وكما هو معلوم فإن إيران تسيطر الآن على معظم العراق، وغالبية سوريا، وأجزاء مهمة من اليمن، ولبنان أيضا، وقريبا قد نرى هذا النفوذ والتمدد يصل لدول خليجية، فهل كانت أمريكا غافلة عن كل هذا ؟!!

دوافع مذهبية

أضف إلى ذلك أن هناك أسبابا مذهبية تدفع إيران –الشيعية– لعدم التحمس لنصرة غزة – السنية – حتى وإن كان العدو هو إسرائيل، صحيح ظاهر الأمر يشير إلى وجود علاقات جيدة تربط إيران بجماعة حماس الحاكمة لغزة، وقد يكون هناك دعما ماديا ولوجوستيا تقدمه إيران لحماس، لكن المؤكد أن هذا الدعم لن يصل بحال من الأحوال للمستوى الذي يرفع مستوى التسليح عند حماس للحد الذي يمكنها من التفوق على إسرائيل، ولا حتى يساويها بمستوى التسليح الذي عليه جيش حزب الله اللبناني المحسوب على إيران!!

قد يقول قائل إن الكلام عن دعم إيران لغزة يتنافى مع الزعم بصداقتها لأمريكا وإسرائيل، ويتعارض أيضا مع مواقفها المعلنة المعادية لهما، أقول نعم هذا صحيح، ولكن علينا الانتباه إلى أن ألاعيب السياسة الدولية تتطلب في أحيان كثيرة التظاهر بمواقف وإبطان عكسها في الوقت نفسه، وذلك بهدف تحقيق مكاسب أخرى غير مرغوب في الإفصاح بها أو الكشف عنها، كما أني لا أظن أن أهداف إيران الكبرى مع أمريكا وربيبتها إسرائيل ستتأثر كثيرا إذا ما دعمت حماس، خصوصا إذا ما كان الحليف – أمريكا وإسرائيل – غير ممانع في ذلك، باعتبار أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا سيما إذا كان هذا الدعم سيُبقي على حماس عند حدود المقاومة فقط!!

ورغم الحروب المتعددة التي خاضتها حماس ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة، دون أن نرى أي تدخل من إيران لصالح حماس وضد إسرائيل، فالغريب أنك ترى كثيرا من الناس وقد بنوا آمالهم وتطلعاتهم وطموحاتهم على إمكانية تدخل إيران لنصرة حماس، دون أن تكون هناك أي أمارات على ذلك، فنجد في كل مرة تقوم الحرب ثم تضع أوزارها دون تحقق التدخل المنشود، بل تتواصل الحروب وتستمر معها الآمال في إمكانية تدخل إيران، لكنها لا تتدخل.. ولن تتدخل!!

وعليه فمن يفهم الموقف الإيراني من إسرائيل سيريح باله من عناء التطلع لبلوغ أمل لن يتحقق، كما أنه لن يصاب بالصدمة عندما يرى الأفعال مناقضة للمواقف، ومنها على سبيل المثال الموقف الأخير للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وهو الموقف الذي صدم فيه غالبية الناس ممن كانوا يتصورونه أول المتحركين لدعم غزة، وزادت الصدمة بعد كلمته الأخيرة التي ألقاها يوم السبت الماضي، وكانت التوقعات تشير إلى أنه سيعلن خطة الحرب على إسرائيل، لكنهم فوجئوا به يكرر تصريحات جوفاء سبق ورددها كثيرا، تحمل في ثناياها تحديا كبيرا لإسرائيل، لكنها وفي نفس الوقت لا تثبت جديته في خوض الحرب!!

وعلى كل الأحوال فإني أرى أنه إذا كان العرب الذين هم على مذهب أهل غزة لما ينتفضوا لنصرتهم، فكيف يُرتجى النصر ممن هم على غير مذهبهم؟!!

أحمد سعد حمد الله

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى