الأثنين مايو 20, 2024
بحوث ودراسات

أحمد سعد يكتب: العسكر والإخوان.. وأخطاء يناير (10)

مشاركة:

هل صحيح أن الرئيس الراحل محمد مرسي، ظل مخدوعا في وزير دفاعه الجنرال عبد الفتاح السيسي، حتى اللحظات الأخيرة من انقلاب 2013؟

سؤال مر عليه 11 سنة، إلا أنه مازال يتردد إلى الآن، باحثا عن إجابة قاطعة تحسمه، وتُنهي الجدل المثار حوله، لكن لا أحد يجيب، فالكل يتنصل من الإجابة، حتى الذين كانوا قريبين من الدكتور مرسي في القصر أو الذين شهدوا لحظات الانقلاب الأخيرة، يرفضون إعطاء إجابة عن السؤال، بل إن البعض منهم ممن وافقوا لاحقا على الظهور في الإعلام وهم قلة، أعطوا إجابات تحمل المعنيين، معنى انخداع مرسي في السيسي، ومعنى إدراكه للحقيقة بوجود مخطط للانقلاب، لكنهم وفي كل الأحوال يلتمسون العذر لمرسي، لأن موجة الانقلاب كانت أكبر من قدرته على مواجهتها أو صدها، فيما أن السياسيين وعموم الناس، يميلون أكثر لفكرة انخداع مرسي في أخلاق السيسي وثقته المفرطة به، وهي الثقة التي كلفته المنصب، ثم كلفته حياته..

والذين يتبنون رواية انخداع مرسي، يدللون على ذلك بوجود أمارات كثيرة كانت توحي بأن هناك مخططا انقلابيا يقوده السيسي في الطريق، بل إن مؤشرات الانقلاب بدأت  تتكشف في وقت مبكر جدا من اندلاع الثورة، وهذه المؤشرات كانت ظاهرة وجلية أمام الجميع ولا تٌخطئها عين، بل إن البعض ذهب إلى ما هو أخطر للتدليل على انخداع مرسي، بالقول إنه – أي مرسي –  تلقى تنبيهات وتحذيرات من بعض كبار مسؤولي الدول الداعمة لثورة يناير، بأن السيسي يرتب لعملية انقلاب عسكري، وأن العملية وشيكة، ويجب على مرسي الحذر واتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي ذلك، وعليه أن يسارع بالتخلص من السيسي قبل أن يتخلص هو منه، بيد أن مرسي لم يعر تلك التحذيرات أي اهتمام، وظل على ثقته الكبيرة في السيسي، وإيمانه الأكيد بوطنية وأخلاق رجال القوات المسلحة، واستمر على ذلك الموقف حتى أخر يوم له في الحكم، كما سنكشف في السطور القادمة بإذن الله..

والحقيقة أن الوصول إلى إجابة حاسمة عن انخداع مرسي من عدمه، يبدو صعبا للغاية، لكنه ليس مستحيلا كما سنعرف في نهاية المقال، وصعوبة الإجابة تتمثل في عدة أسباب أولها وأهمها على الإطلاق هو أن صاحب الإجابة الحصرية والصحيحة وهو الرئيس مرسي، رحل عن الدنيا (2019) أثناء إحدى محاكماته، كما لم تظهر له إلى الآن أي مذكرات كتبها خلال فترة سجنه (2013 – 2019 ) أو قبلها يحكي فيها تجربته بالحكم وطبيعة علاقته بالسيسي، كما أن أسرته التي من المؤكد أنها لديها كل الحقائق، سواء علمتها من مرسي نفسه أو من إلمامها بطبيعة شخصيته وقراءة ما يجيش في صدره، فهي أيضا لا تستطيع الإفصاح عن أي معلومات متعلقة بأمر كهذا، على الأقل في الوقت الحالي، وذلك في ظل التضييق الأمني الذي تتعرض له منذ الانقلاب وحتى الآن، ذلك التضييق الذي وصل حد اغتيال نجل الرئيس الأصغر عبد الله، وأدى إلى اعتقال النجل الأوسط أسامة، حتى  الزوجة السيدة نجلاء التي هي حرة الآن، لا تستطيع الكلام، خوفا على حياتها وحياة من بقي من الأسرة..

أمر أخر يصعّب من مهمة التوصل إلى إجابة، يتمثل في تحفظ الكثيرين ممن كانوا مع الرئيس في اللحظات الأخيرة عند إبلاغه بالانقلاب وتحديد إقامته بمقر الحرس الجمهوري، فهؤلاء يبدون وكأنهم تعاهدوا فيما بينهم على عدم الكلام، أو تلقوا تعليمات بذلك، خاصة وأنهم جميعا من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وربما تكون الجماعة أصدرت لهم تعليمات ولغيرهم ممن عملوا مع الرئيس، بعدم التطرق للحديث عن تلك المرحلة، وخصوصا فيما يتعلق بطبيعة علاقته بالسيسي، أو ربما يكونوا تلقوا تهديدات من أجهزة الجيش، وهو وارد أيضا، ومن ثم فهم يرفضون الظهور في الإعلام، كما يتفادون حضور أي مناسبات عامة يُتوقع أن يسألهم الناس فيها عن تفاصيل تلك المرحلة، أو يكون التحفظ له أسباب أخرى كتفادي الصدام مثلا مع مؤيدي ومحبي الرئيس مرسي، خاصة وأن مرسي لازال يتمتع بشعبية كبيرة سواء بين جماهير الإخوان، أو عموم الناس من المتعاطفين معه، ممن يرون أنه تعرض للغدر والخيانة من بعض ضباط الجيش وعلى رأسهم السيسي، تلك الشعبية التي نلمسها في التفاعل الكبير على مواقع التوصل الاجتماعي مع أي شيء يمس مرسي، حيث أن هذه الجماهير التي تشبه في دفاعها عن مرسي الكتائب الإلكترونية صاحبة المهام المحددة، مستعدة للهجوم على أي شخص، مهما كان اسمه أو حجمه حال اقترب بسوء من شخص الرئيس الراحل، وقد ظهرت شراسة تلك الجماهير في الدفاع عن مرسي، في أكثر من موقف، أبرزها كان في أعقاب سلسلة الحوارات التي أجراها الإعلامي الشهير أحمد منصور ببرنامج «شاهد على العصر» بـ«قناة الجزيرة» (2014) مع الدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية في فترة حكم مرسي، بعد الانتقادات التي وجهها الاثنان -منصور ومحسوب- لمرسي، وتأكيدهما على انخداعه في السيسي، حيث تعرض الاثنان لهجوم شرس وعنيف على مواقع التواصل الاجتماعي، استمر لفترة غيرة قليلة..

وأسباب أخرى كثيرة تجعل من السؤال عن انخداع مرسي في السيسي من عدمه، أشبه بكرة نار، تلسع كل من يحاول لمسها أو الاقتراب منها، لكنها مازالت تجري وتتدحرج بحثا عمن يطفئها!!

الطريق إلى الانقلاب مفروش بالنوايا الحسنة!

هنا قد يسأل سائل: وما هي الأهمية في البحث عن إيجاد إجابة لسؤال كهذا؟

الحقيقة أن هناك دوافعَ كثيرةً جدا، تفرض علينا البحث والتنقيب والتحري، من أجل الوصول إلى كل الحقائق المتعلقة بشكل علاقة مرسي بالسيسي، تلك العلاقة التي مكنت السيسي من القيام بانقلابه بسهولة،

أول وأهم هذه الدوافع، على الأقل بالنسبة لي -كاتب هذه السطور- هو أنها ستخدم فكرة المقالات التي نحن بصددها والخاصة بتناول أخطاء ثورة يناير، خاصة وأن فترة حكم مرسي للدولة المصرية كانت هي أهم الفترات التي مرت بها الثورة، ومن ثم وجب قراءاتها جيدا والسعي للكشف عن أدق تفاصيلها، وإعلام الناس بها، على الأقل لتفادي الوقوع فيها مرة أخرى، في حال ما اتيحت الفرصة أمام الثورة للاندلاع مرة ثانية..

ثانيا، وهو الأهم أن مرسي كان رئيسا لكل المصريين، ومن حق الشعب عليه سواء من منحه صوته أو لم يمنحه، أن يعرف حقيقة ما دار في تلك المرحلة، وأن يقف على حقيقة ما فعله الجيش في الرئيس الشرعي المنتخب الذي أفرزته ثورة يناير، وهي الثورة التي شارك فيها كل أطياف وفصائل الشعب المصري وليس فصيلا واحدا، وأيضا ليعرف المصريون أن حسن نية الرئيس وثقته الكبيرة التي وضعها في رجال القوات المسلحة وفي السيسي تحديدا، لحمايته وحماية الثورة والوطن، قوبلت بالمكر والخداع والخيانة، وليتعلم الناس والسياسيون الدرس ويعرفوا أن الطريق إلى جهنم وإلى الانقلابات العسكرية مفروش بالنوايا الحسنة، وهو درس لكل المصريين وليس للإخوان وأنصار مرسي فقط، حيث أن الضحية هنا لم يكن مرسي وحده ولا الذين انتخبوه، ولا حتى جماعة الإخوان، إنما كان الشعب كله، الذي ذاق من نفس الكأس وتجرع مرارتها، بعد أن طالته نار الانقلاب وحكم العسكر، وفرضت عليه أوضاعا معيشية قاتلة، تلك الأوضاع التي تأثر بها الجميع، بما في ذلك الذين خرجوا على مرسي وطالبوا برحيله، واستدعوا الجيش ليحكمهم، بعد أن خدعهم السيسي ووعدهم بأنهار اللبن والعسل التي تنتظرهم، وكنوز الذهب والفضة التي ستُفتح لهم بعد التخلص من حكم الإخوان، لكن ما أن حقق مراده بالانقلاب على مرسي والاستيلاء على السلطة، حتى تنكر للجميع، وبدأ التخلص من كل الذين شاركوه الدور في تنفيذ الانقلاب، بل راح يٌنكل بكل حلفائه السياسيين والإعلاميين ممن ألمحوا إلى أنهم كانوا شركاء في خطة الإطاحة بمرسي وبحكم الإخوان، ليس هذا فقط، بل ذهب للتخلص من كل القيادات العسكرية الذين دعموه في تنفيذ خطته، بمن في ذلك صهره الفريق محمود حجازي (والد زوجة ابنه) الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس أركان القوات المسلحة!

اللعب مع الكبار..

لكن وقبل الدخول في محاولة إيجاد إجابة للسؤال الذي بدأنا به مقالنا، علينا أولا البحث في الطرق التي استخدمها السيسي لخداع مرسي، فلربما التوصل لهذه الطرق يرشدنا إلى الإجابة عن سؤالنا الرئيسي، لأن انخداع مرسي في السيسي من عدمه، سيتوقف حتما على مهارة الأخير في المكر والخداع والتلون، ومن ثم القدرة على التظاهر بمشاعر وانفعالات عكس التي يبطنها، وكلما زادت هذه المهارات، كلما كانت قدرته على خداع مرسي أسهل وأسرع، بيد أن البحث في هذا الأمر، يستوجب أولا التأكيد على بعض المفاهيم المهمة، تلك المفاهيم التي قد تجعلنا نلتمس العذر للرئيس مرسي، وهو يسقط في كل فخ من الفخاخ التي نصبها له السيسي..

أول وأهم هذه المفاهيم هو أن البشر جميعا ليسوا معصومين من الوقوع في شرك المنافقين، بما ذلك نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فهو ولأنه بشر كان يمكن أن ينخدع في تظاهر المنافق بالإيمان، ومن ثم لا يستطيع التعرف عليه، وقد بين المولى سبحانه تعالى هذا في سورة التوبة (الآية 101) بقوله تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)}

فعبارة «لا تعلمهم نحن نعلمهم» هنا تكشف أن الرسول قد ينخدع فيهم، فما البال بالبشر العادي من أمثال الدكتور مرسي، بل إن البشر العادي يستحيل عليه فضح المنافق والتفرقة بينه وبين المؤمن، وهذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آية المنافق ثلاث، ذلك الحديث الذي بين فيه الرسول أننا لن نستطيع بإمكاناتنا البشرية التعرف على المنافق، لذا أعطانا بعض المفاتيح التي قد تدلنا عليه، وهذه المفاتيح كما جاءت في الحديث هي (إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر) والآية والحديث هنا يؤكدان على صعوبة كشف المنافق، أو سبر أغواره مهما بلغت فراسة وكياسة المؤمن، وتزيد قدرة المنافق على خدعة الناس، كلما زادت مظاهر التدين عنده، وظهرت عليه علامات الورع، مثل الالتزام الدائم بأداء الصلاة جماعة بالمسجد، وسبق المصليين للوقوف بالصف الأول خلف الإمام، والإكثار من ترديد العبارات والجمل التي تبين خوفه الشديد من الله، والسعي في أعمال الخير، ومساعدة الفقراء والمساكين، والعطف على الضعيف، وغير ذلك من السلوكيات المجانية الظاهرة للناس والتي لا يعلم صدقها إلا الله، لكنها تجعل الناس تنخدع فيه بسهولة، وكما يؤكد البعض فإن السيسي دخل على مرسي من باب التدين والتحلي بسلوك المؤمن، حتى أن البعض بالغ في تظاهر السيسي بالتدين بأنه كان يبكي في الصلوات السرية (الظهر والعصر) وأنه كان يحرص على الاتصال بزوجته أمام مرسي في أعقاب كل صلاة، ليطمئن منها على أن أولاده أدوا الصلاة، وسواء صدقت هذه الروايات أم لا، فالمؤكد هو أن سلوك التدين الذي ظهر عليه السيسي في ذلك الوقت، بالقطع أعجب مرسي باعتباره رجل شديد الالتزام الديني كما يبدو من سمته وتصرفاته، فضلا عن انتمائه إلى جماعة تتخذ الدين شعارا لها، وعليه رأى مرسي في السيسي أنه أنسب شخص يمكن أن يأتمنه على أسراره وأسرار الجيش وأسرار الدولة المصرية..

 ثاني هذه المفاهيم التي يجب التأكيد عليها أيضا، هو أن نشأة وتكوين الدكتور محمد مرسي كما تحدث هو عنها أكثر من مرة، تشير إلى أنه تربى على الانضباط الأخلاقي والالتزام الديني، والتفرغ للتحصيل العلمي والديني، وأن كل خبراته في الحياة اكتسبها من ثلاث جهات فقط (البيت – المسجد – المدرسة) وهو ما جعله يفتقد للكثير من خبرات الحياة التي تمكنه من فهم وقراءة شخصية مثل السيسي، تلك  الخبرات التي يستحيل تجميعها من البيت والمسجد والمدرسة فقط، إنما تتطلب النزول للشارع والاشتباك معه، والاحتكاك بكل فصائل المجتمع في المقهى والمسرح والسينما والساحات الشعبية، وغير ذلك من الأماكن التي يختلط فيها الصالح بالطالح وتجمع بين التقي والفاجر، ومن ثم يمكن لمن يحتك بها، فهم سلوك هذين النوعين، وبالتالي القدرة على التفرقة بينهما، والحقيقة أن الرئيس مرسي لم يكن هو وحده قليل الخبرات الحياتية في مؤسسة الرئاسة، إنما المخلصون من مستشاريه وفريقه الرئاسي كانوا أيضا من نفس النوعية، التي يبدو على أصحابها السلوك القويم والتفوق العلمي، لكنها تفتقد لخبرات وتجارب الحياة، ومن هنا سهل على السيسي خداع مرسي ومن حوله أيضا، وإذا كانت خبرات الحياة ضرورية لعموم الناس، إلا أنها تكون أكثر ضرورة للسياسيين، خصوصا أمثال الدكتور مرسي ممن وافقوا على اللعب مع الكبار، وقرروا خوض المجال السياسي بأكثر أماكنه وعورة وخطورة، بل والاقتراب من مناطقه الحمراء التي تسكنها الأشباح، ويحكمها الأبالسة، مثل منطقة الرئاسة!!

خطة الخداع..

بخلاف خطة التدين التي دخل بها السيسي على مرسي لخداعه، وهي الخطة التي جعلت مرسي يفتح له قلبه بل ويقدم له حياته، فإن السيسي كان يملك كل الأدوات والإمكانات التي تمكنه من التلاعب بمرسي وقتما شاء وحيثما أراد، إذ يمكن القول إن السيسي كان يملك كل الدولة المصرية بكل أدواتها وإمكاناتها، بينما مرسي لا يملك سوى الصفة والملابس التي عليه، ولك أن تتخيل شخصا يضع تحت يده كل أدوات وإمكانات دولة بحجم مصر، في مواجهة شخص أخر أعزل لا يملك من أمره شيئا، فالسيسي كان يمتلك الجيش بكل أجهزته وقدراتها، والداخلية بكل أدواتها وسلطاتها، والقضاء بكل نفوذه وترزيته، والإعلام بكل مدافعه وأبواقه، حتى القوى الناعمة المتمثلة في الثقافة والفن والرياضة كان يتملكها أيضا، وقد نجح في أن يجعل كل هذه الجهات أن تعمل على قلب رجل واحد، في محاربة مرسي والعمل على إفشاله..

وامتلاك السيسي لكل هذه الأدوات وتأثيره فيها وعليها، هو ما جعل مرسي يؤمن بقدراته الخارقة في إدارة وتحريك الدولة المصرية، وهو دور كان مرسي في حاجة ماسة لإيجاد من يؤديه، خاصة في ظل خبراته المعدومة عن كيفية إدارة الدولة المصرية، فما البال وأن الذي سيؤدي هذا الدور هو القائد العام للقوات المسلحة، بل ويتمتع بالأخلاق الرفيعة والسلوك الإيماني العالي.. والمؤكد أن السيسي في علاقته بمرسي كان (يضرب ويلاقي) حتى يجعله تحت رحمته طول الوقت، فمن غير المستبعد أن تجد السيسي وقد قام بصناعة أزمة عن طريق “زق” إحدى مؤسسات الدولة على مرسي، ثم يتدخل هو لحلها، ليثبت لمرسي أنه رجل معجزات، وكنت قد أشرت في المقال السابق إلى الملعوب الذي نفذه السيسي بمشاركة طنطاوي، على خلفية حادث مقتل 16 من الجنود والضباط برفح (أغسطس 2012) ذلك المخطط الذي كان يقضي بأن يقوم السيسي بتنبيه مرسي من مخطط انقلاب عليه يرتب له طنطاوي وعنان، حيث راح يحذره من حضور مراسم تشييع ضحايا الحادث، بزعم أن طنطاوي وعنان يرتبان لعملية اعتداء عليه عن طريق الجماهير الغفيرة التي ستحضر الجنازة، وقد تأكد مرسي في وقتها من صدق كلام السيسي، بأنه يخاف عليه ويحرص على سلامته، بعدما شاهد الاعتداءات التي تعرض لها الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء أثناء الجنازة، والهتاف ضد الرئيس، بل والمطالبة بالقصاص من للضحايا، وهو ما جعل مرسي يصدر وقتها قراراته النارية بإقالة طنطاوي وعنان من منصبيهما، وتعيين السيسي وزيرا للدفاع، مع ترقيته من رتبة لواء إلى فريق..

كما يمكن القول إن امتلاك السيسي لكل هذه الأدوات مكنه من اختراق مؤسسة الرئاسة نفسها، بل ونجح في زرع العديد من الكاميرات وأجهزة التنصت داخلها، خصوصا في الأماكن التي يجلس بها مرسي أو يعقد فيها اجتماعاته، بل ليس من المستبعد أيضا أن يكون تمكن من زرع أجهزة مماثلة بمنزل مرسي نفسه، حتى يكون مرسي محاصرا ومراقبا في كل لحظة، ولا شك أن مراقبة مرسي بهذا الشكل الدقيق جدا ومعرفة أدق التفاصيل عنه، كانت كفيلة بأن تجعل السيسي يٌظهر لمرسي بأنه قادر على قراءة أفكاره وما يدور في رأسه، وهذا وحده كان كفيلا بأن يجعل مرسي ينظر للسيسي على أنه رجل خارق للعادة، ومن ثم لا يجب التفريط فيه أبدا!!

ومهارات السيسي في خداع مرسي لم تقف عند حد ما كان يفعله في الشأن الداخلي، بل وصلت لقدرته على التأثير في شئون مصر الخارجية، من ذلك مثلا حرب إسرائيل على غزة 2012، وقد علمت مؤخرا من أحد الأصدقاء أصحاب الاتصالات الرفيعة والواسعة، أن السيسي أكد لمرسي أنه يمكنه الضغط  على إسرائيل لإيقاف الحرب ضد غزة، وقد طلب منه وقتها، أن يكلفه رسميا بالسفر إلى تل أبيب، للقيام بمهمة التفاوض مع الإسرائيليين من أجل إيقاف الحرب، وبالفعل أصدر مرسي قرارا بذلك وكلفه بالسفر وعمل اللازم، ويضيف صديقي وهو إعلامي كبير وشهير، أن السيسي عندما ذهب إلى إسرائيل وتحدث معهم عن ضرورة إيقاف الحرب على غزة، أكد لهم أن قرارا كهذا سيخدم مصلحته ومصلحتهم في التخلص من مرسي ومن حكم الإخوان، إلا أن الإسرائيليين عارضوه، لأنهم كانوا يرون أن إيقاف الحرب سيخدم مصالح مرسي والإخوان ويزيد من شعبيتهم في الوطن العربي والعالم الإسلامي كله وليس العكس، إلا أن السيسي نجح في اقناعهم بوجهة نظره، بعدما أكد لهم بأن خطوة كهذه ستمكنه من السيطرة على مرسي تماما، وستجعل يثق به طول العمر ولا يشك فيه لحظة، إلى أن يجد الوقت المناسب للتخلص منه.. وبالفعل نجح وقتها في إقناع الإسرائيليين بإيقاف الحرب، ولك أن تتخيل كيف سينظر مرسي له بعد هذا الإنجاز الكبير، الذي كان يهم مرسي بشكل خاص في ظل اهتمامه بالقضية الفلسطينية، وخصوصا أهل غزة؟

رأي الرئيس مرسي في السيسي

كما أشرت في السطور الفائتة إلى أن الوحيد القادر على الإجابة عن السؤال الذي بدأنا به المقال، هو الرئيس مرسي، وأن هذا صعب تحقيقه، باعتبار أن مرسي رحل عن عالمنا قبل خمس سنوات، فإن الواقع يقول إن مرسي قدم لنا بالفعل شهادته في السيسي ولسنا في حاجة للكد من أجل الوصول للإجابة، وشهادة مرسي في السيسي قالها في أخر خطاب له قبل الانقلاب عليه، وهو الخطاب الذي ألقاه في الثامن والعشرين من يونيو 2013، أي قبل يومين فقط من مظاهرات 30 يونيو، تلك المظاهرات التي سبقت الإعلان الرسمي للانقلاب بثلاثة أيام..

ففي هذا الخطاب الذي سبقه حالة ترقب كبيرة من كل طوائف الشعب المصري وخصوصا من مؤيدي الرئيس،  ذلك ليعرفوا موقف مرسي من التحركات الانقلابية التي تجري حوله، وليعرفوا ماذا سيقول عن السيسي وتحركاته التي تشير إلى قرب وقوع الانقلاب، خاصة وأن السيسي كان قد أمهل الرئاسة والقوى السياسية أسبوعا لحل خلافاتهم والاتفاق على صيغة تفاهم، فجاء مرسي ليحسم الأمر ويقطع قول كل خطيب، بعبارته الشهيرة التي مازالت تتردد إلى الآن، والتي وصف فيها ضباط القوات المسلحة بأنهم «رجالة زي الدهب» فهذه العبارة بالرغم من أنها لخصت موقف مرسي من المكائد التي كان يٌحيكها السيسي وأثبتت انخداعه التام في العسكر، إلا أني عندما راجعت الخطاب لأعرف ماذا قال بالضبط عن الجيش وقياداته، وجدت أن عبارة ” رجالة زي الدهب ” لا تمثل شيئا في الخديعة، بجانب عباراته الأخرى التي بدا فيها مرسي وكأنه يقاتل من أجل الدفاع عن الجيش ورجاله، حتى أنه أعلن وبوضوح رفضه القاطع لكل نصائح المخلصين الذين أرسلوا إليه تحذيرات من وجود مخطط انقلاب عسكري يتم الترتيب له ويوشك أن يقع، ولم يقف الأمر عن رفض النصائح فحسب، بل وصل إلى أنه وصف هؤلاء الناصحين، بأنهم فئة مجرمة تسعى للإساءة للوطن والجيش، وتحاول الوقيعة بينه وبين رجال القوات المسلحة المخلصين، وغير ذلك من العبارات الساخنة جدا التي كشفت بدا فيها مرسي غيورا على الجيش وقياداته، ورفضه التام لكل ما يقال عنهم، أو يفعلونه معه!

كل هذا وغيره من أراء لمرسي في قيادات الجيش، يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أنه كان مخدوعا في السيسي من أخمص قدميه حتى منبت الرأس، حتى أن البعض ممن لم يتصوروا أن يصل الانخداع لهذا الحد، زعم بأن السيسي «سحر» له، كما سحر لبيد بن الأعصم لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولربما السيسي وضع له في الأكل أو الماء شئيا ما سحره به، كما وضع بن الأعصم السحر للرسول في مشط ومشاقة، لأن عدم إدراك مرسي لمخطط الانقلاب الذي كان يراه العالم كله إلا هو، كان يوحي بأنه لم يكن في كامل وعيه، لدرجة أنه كان يثق بالسيسي وقيادات الجيش بهذا الشكل المبالغ فيه، الذي ظهر عليه في الخطاب.. وحتى تتضح الصورة ونقترب أكثر من الحقائق والتعرف على إجابة سؤالنا، أضع أمام حضراتكم نص ما قاله الرئيس مرسي في الخطاب حرفيا دون حذف أو إضافة أو تعديل، عند حديثه عن الجيش وقياداته..

نص كلامه

«أما ما يثار هنا وهناك منسوبا إلى مصادر مجهلة مجرمة في حق الوطن، تسعى للوقيعة بين مؤسساته الكبرى، لغرض أقل ما يوصف بأنه رخيص، حول علاقة رئيس الجمهورية بالقوات المسلحة، وتسريبات مغرضة عن وجود خلاف أو انقسام، فللجميع أقول: هناك من لا يريد أن تكون علاقة الرئاسة بالدولة بالقوات المسلحة صحية، سواء في داخل مصر أو خارجها، ولكن تبقى الحقيقة التي تجتمع عليها جميع الإرادات النافذة هي أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن مؤسسات الدولة جميعا، وعلى رأسها القوات المسلحة وباقي أجهزة الوطن السيادية تعمل بانسجام وانضباط كما هو مرسوم لها من أدوار في الدستور والقانون.. أحنا عاوزين ليه نشغِل القوات المسلحة، دور القوات المسلحة العظيم الذي قامت به أثناء الثورة، ودورها العظيم جدا خلال التاريخ والحاضر في الجاهزية والاستعداد والتدريب، ورقابة أمن الوطن، ليه أحنا عاوزين نشغِل القوات المسلحة، ونتحدث عنها بطرق ملتوية هي بعيدة عنها كل البعد برجالها وقياداتها المحترمة التي تعرف مصلحة الوطن، ما هذا؟ هذا عبث، ستبقى القوات المسلحة كما كانت، بل أقوى، أنا أقول لكم: القوات المسلحة في عشرة شهور فعلت ما يصعب فعله في عشرين سنة.. طبعا هذا لا يُسعد البعض، فتتحرك الأصابع الخفية، سنقطع هذه الأصابع..

إلى هؤلاء الشرفاء أبناء القوات المسلحة أبنائي جميعا، أقدم لهم كل التحية والتقدير والامتنان باسم شعب مصر كله، على ما قاموا به من دور في الثورة، وعلى ما يفعلونه الآن من تطوير لهذه المؤسسة العظيمة، ويبقوا معنا أيضا عين ساهرة كمسئولية إضافية معي على هذا الوطن.. همه النهاردة القوات المسلحة بتتحرك لتتواجد في مفصليات وأماكن مهمة في الوطن لطمأنة الناس، ليعرف الناس أن هناك رجالا سيحفظون الوطن إن فكر عابث أن يعبث، هذا فعل القوات المسلحة الآن، التواجد وهذه مسؤولية إضافية تعطلها بعض الشيء عن دورها الحقيقي الأخر، لكن هذا قدرٌها وقدرنا أن تكون عين إضافية مع الشرطة، ساهرة على أمن الوطن بهذه المرحلة..

إلى هؤلاء الذين يستخفون بمصر وأمنها، ويسعون إلى محاولة توريط القوات المسلحة، لن ينجحوا طبعا، هذا مستحيل أحنا عندنا رجالة زي الدهب بالقوات المسلحة»

هنا انتهى كلام الدكتور محمد مرسي عن رأيه في السيسي وقيادات الجيش، ومعه ينتهي المقال.

نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله.

Please follow and like us:
أحمد سعد
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب