رغم مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما زال ملف تشكيل حكومة انتقالية معلّقًا وسط حالة من الجمود السياسي والانقسام العسكري. ويمكن تلخيص أبرز معوقات تشكيل الحكومة في السودان من خلال أربعة محاور رئيسية:
أولًا: انقسام القوى العسكرية وتضارب الأهداف
يُعد الخلاف العميق بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” العائق الأكبر أمام أي تسوية سياسية. فكل طرف يسعى للسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة، ويرفض تقديم تنازلات تمسّ مصالحه أو نفوذه. هذا الصراع العسكري يغلق الباب أمام أي اتفاق حقيقي حول تقاسم السلطة أو تشكيل حكومة توافقية.
ثانيًا: استمرار القتال وانهيار مؤسسات الدولة
الظروف الأمنية المتدهورة والانهيار الواسع للمؤسسات الحكومية تعيقان بشكل مباشر أي خطوات عملية لتشكيل الحكومة. فغياب الاستقرار، خصوصًا في العاصمة الخرطوم وعدد من ولايات دارفور، يحول دون تنفيذ أي اتفاق، كما يمنع عودة المسؤولين المدنيين لممارسة مهامهم في بيئة آمنة، وهو شرط أساسي لأي انتقال سياسي.
ثالثًا: تشرذم القوى المدنية وفقدان التوافق
القوى السياسية والمدنية، التي يُفترض أن تقود عملية الانتقال الديمقراطي، تعاني من انقسامات حادة بين مكونات “الحرية والتغيير” والمجموعات المعارضة للاتفاق الإطاري السابق. غياب رؤية موحّدة وموقف تفاوضي موحد أضعف قدرة هذه القوى على الضغط أو تقديم بدائل جدية. هذا الانقسام أعطى القوات المسلحة مبررًا لتجاهل أي مطالبات مدنية بتسليم السلطة.
رابعًا: تدخلات خارجية متعددة الاتجاهات
اللاعبون الإقليميون والدوليون، الذين انخرطوا في الملف السوداني، لم ينجحوا حتى الآن في فرض تسوية عادلة ومستقرة. بل إن بعضهم يدعم طرفًا على حساب الآخر، ما زاد من تعقيد الأزمة. كما أن تعدد مسارات الوساطة (جدة، أديس أبابا، دول الجوار) دون تنسيق فعّال ساهم في تشتت الجهود الدولية، وأضعف فعالية الضغط الخارجي باتجاه تشكيل حكومة توافقية.
إن تشكيل حكومة في السودان يظل مرهونًا بوقف القتال أولًا، ثم بتوافق سياسي حقيقي بين العسكريين والمدنيين، ودعم دولي متّسق وفعّال. دون ذلك، ستظل البلاد تدور في دوامة العنف والفراغ السياسي، مع ازدياد معاناة المدنيين وانهيار الدولة..
التوصيات السياسية
1. توحيد القوى المدنية: بات من الضروري تجاوز الخلافات بين المكونات السياسية وإنشاء منصة موحدة تتحدث باسم الشارع وتقدم رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية (USIP، 2024).
2. إعلان وقف شامل لإطلاق النار: لا يمكن الحديث عن أي حكومة في ظل استمرار المعارك. ويتطلب الأمر آلية رقابة دولية فعالة تضمن تنفيذ الاتفاقات (UN News، 2025).
3. وساطة دولية موحدة: توحيد جهود الوساطة تحت مظلة الاتحاد الإفريقي وبإشراف أممي قد يمنع تكرار تجارب الفشل السابقة (ICG، 2024).
سيناريوهان للمستقبل
سيناريو الحل السياسي المشروط: في حال تحقق وقف إطلاق النار وتشكيل قيادة مدنية موحدة، قد يُعاد إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية وعودة تدريجية للاستقرار.
سيناريو الانهيار والتدويل: إذا استمر القتال وتعثرت الوساطات، قد تتفاقم الأزمة لدرجة تستدعي تدخلًا دوليًا أوسع أو فرض إدارة مؤقتة في بعض المناطق، بحسب مركز سترافور (2025).
وفي النهاية السودان يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، بين إعادة بناء الدولة أو الانزلاق نحو الفوضى الشاملة. ومع تصاعد معاناة المدنيين، لم تعد التسويات السياسية ترفًا، بل ضرورة وجودية لنجاة الدولة السودانية.