أشرف دوابة : مشروع راس الحكمة مجرد مسكنات وحلول ترقيعية لن تكتب نهاية أزمة مصر الاقتصادية
أشرف دوابة : مشروع راس الحكمة مجرد مسكنات وحلول ترقيعية لن تكتب نهاية أزمة مصر الاقتصادية
*التمويل بالديون وبيع الأصول لا يقيم اقتصادا ولا يبني دولة
*حرق الأصول وتجريفيها سياسة فاشلة تضرب الأمن القومي المصرى في مقتل
*تعويم الجنيه قادم لامحالة والرهان علي روشتة الصندوق يقودنا لكارثة اقتصادية
*انسداد الأفق السياسي وعسكرة الاقتصاد وانتشار المظالم يفاقم أزمة مصر
*تعزيز الإنتاج المحلي وتنشيط الصادرات ووجود سعر صرف عادل الجنيه روشتة عاجلة لتجاوز الازمة
*تنازلات سياسية مؤلمة تقدمها مصر من أجل عودة الدعم الغربي و التمويل الخليجي
قلل الخبير الاقتصادي المصري الدكتور اشرف دوابة من أهمية التهليل الحكومي لمشروع راس الحكمة ،والإفراط في الرهان عليه لإخراج مصر من أزمتها معتبرا أن الأمر لا يعدو كونه مجرد ترقيع أو مسكنات لهذه الأزمة ،انطلاقا من أن التخلص من الأصول نهج تخريبي ،لن يحل الأزمة بل علي العكس ستطل برأسها بعد فترة ليست بالقصيرة وبشكل أكثر قسوة.
ولفت في حوار له مع “جريدة الأمة الإليكترونية” الي ان الأزمة الاقتصادية في مصر ليست وليدة اليوم بل نتاج سنوات طويلة من انسداد الأفق السياسي ورهان النظام علي التمويل بالقروض والمشاريع ذات العائد السفري وعسكرة الاقتصاد وهو نهج قاد مصر الكارثة ولا اعتقد ان هناك توجها حاليا للتراجع عنه
وأشار الدكتور دوابة الي ان الرهان علي روشتة صندوق النقد الدولي وتجريف الأصول أو حرقها وتخفيض قيام الجنيه وتعويمه والتي سيضطر لها النظام عاجلا أو آجلا يتفاقم أزمة مصر ويقود مستوي معيشة المصريين مستوي معيشة اغلب المصريين للدرك الأسفل دون أن يبدو في الأفق نهاية الأزمة التي تبدو سياسية في المقام الاول وليست اقتصادية
ونبه أن الرهان علي روشتة صندوق النقد الدولي وتجريف الأصول أو حرقها وتخفيض قيام الجنيه وتعويمه ،والتي سيضطر لها النظام عاجلا أو آجلا سيفاقم أزمة مصر ،ويقود مستوي معيشة أغلب المصريين الدرك الأسفل ،دون أن يبدو في الأفق نهاية الأزمة التي تبدو سياسية في المقام الاول ،وليست اقتصادية.
وشدد علي حاجة الاقتصاد المصري الشديدة لإعادة الهيكلة، وتعزيز الإنتاج المحلي والصادرات وترشيد الواردات ،والتخلص من سيطرة الصندوق وتبييض السجون من السجناء السياسيين ،ورفع المظالم هي السبيل الأهم لخروج مصر من أزمتها.
الحوار مع الخبير الاقتصادي المصري الدكتور اشرف دوابة تطرق لقضايا عديدة سنعرضها بالتفصيل في السطور التالية.
الأمة -اسطنبول -خاص
*تمر مصر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة هل لسيادتك أن توضح لنا أسباب تصاعدها علي هذا النحو غير المسبوق؟
**الاقتصاد المصري يعاني أزمة عميقة ليست وليدة اليوم، بل جاءت بشكل متراكم بشكل واضح منذ الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب، الدكتور محمد مرسي رحمه الله، وما تلا ذلك من انسداد الأفق السياسي، ورهان السياسة الاقتصادية على الديون وتوجيهها لإقامة مشروعات باهظة التكاليف ،قليلة العوائد أو ممكن أن نطلق عليها منعدمة الأثر ؛ كما حدث في مشروع تفريعة قناة السويس ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة وغيرهما.
ولكن النظام ورغم الكوارث الاقتصادية التي تحيق بمصر، لم يلجأ لتقليل الاعتماد على الديون، أو اللجوء إليها في حال توجيهها لمشروعات ،لها القدرة على تحقيق عائد يفوق تكاليفها ،وتعزيز الصادرات وتشغيل العمالة، لكنه استمر في تبنى سياسات كارثية تمثلت في جعل التمويل بالديون أصلا رغم أنه لا يقيم دولة ولا يبني اقتصادا.
فكيف الحال إذا كان هذا التمويل لمشروعات باهظة التكاليف قليلة العائد؟!. كما أن اعتماد الدولة على بيع أصولها للخروج من أزمة الديون ما هو إلا سياسة ترقيعية مسكنة لفترات ثم يرجع الحال أسوأ مما كان..
*الوضع الاقتصادي المتأزم دفع النظام للجوء لصندوق النقد والاعتماد علي روشته التي لم تحقق نجاحا في أي من دول العالم ؟
**رغم التوسع في الاقتراض الا ان النظام استخدام الديون بصورة لا تتفق والمسلّمات الاقتصادية، ولم يعد أمامه الا اللجوء لصندوق النقد الدولي في قرضين لم يكتمل صرف الأخير منهما بعد مع استمرار انهيار الاقتصاد وتسجيل الجنيه المصرية تراجعا غير مسبوق أمام الدولار الأمريكي
بل وشهد سعر صرف الجنيه خلال الفترة القلية الماضية انهيارا، حيث سجل مستويات قياسية في السوق الموازية، حيث وصل سعر تداول الدولار فيها إلى أكثر من 72 جنيها، بفارق أكثر من 130 % من سعره الرسمي قبل أن يتراجع بفعل ضغوط أمنية.
وما يحدث للجنيه يعد نتيجة طبيعية لتلك السياسة الاقتصادية التي جعلت كل هدفها التوريط والتجريف والتخدير، من خلال توريط الجيل الحالي والأجيال المستقبلية في ديون لا قبل لهم بها، وتجريف الأصول ببيعها أو بمعنى آخر بحرقها لترقيع سداد الديون، فضلا عن تخدير الناس بجنة المشروعات التي ثبت للجميع أن عائدها سراب وتكاليفها عناء.
*الحديث عن تعويم الجنيه غدا امر غير واضح مع تراجع لهجة صندوق النقد مع مصر والحديث عن دعم غربي كبير للقاهرة بعد تصاعد الحرب في غزة ؟
**سيحدث خفض حقيقي لقيمة الجنيه وستتراجع وستنخفض مع مستويات معيشة المصريين نتيجة تراجع مستوي الدخول مع تصاعد معدلات التضخم مع زيادة معدلات الفقر بشكل يفرض وجود نوع من الحماية الاجتماعية للفئات الأشد احتياجا ولا يتكرر ما حدث من تركهم نهبا للعرض والطلب وأوضاع السوق..
*هل سيحدث التعويم ومتي سيتم تنفيذ التعهد السابق من قبل النظام لصندوق النقد ؟
**التعويم سيتم عاجلا أم اجلا وتغيير لهجة صندوق النقد مع مصر وكذلك الحديث عن تلقي 10مليارات دولار دعما من الاتحاد الأوروبي موضوع قديم مرتبط بتطورات سياسية في مقدمتها صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ومعها المقاومة
ما يجري حاليا من الحديث عن استئناف معونات الغرب ودول الخليج مرتبط بالأوضاع في فلسطين وقطاع غزة وبنتائج الحرب وهي الصفقة التي لن يكتب لها النجاح بأذن الله
*لكن صندوق النقد لم يجد مشكلة في دفع النظام لبيع الأصول لتجاوز الأزمة ؟
**ما يجري نتيجة لدخول الاقتصاد المصري النفق المظلم ،وافتقاد النظام لأي حلول تواكب المعايير الاقتصادية ،حتي لو شكل هذا ضربة قاصمة للأمن القومي المصري نتيجة طبيعة الطرف المشتري ،الذي يصب في نهاية المطاف في حِجر الكيان الصهيوني، فالاقتصاد المصرى يحتاج لإعادة الهيكلة والتعديل والبعد كل البعد عن عسكرة الاقتصاد، والرهان علي بيع الأصول .
*ما الذي يدفعك لمعارضة التخلص من الأصول رغم أن صندوق النقد حض النظام عليها للخروج من أزمة نقص العملة الأجنبية ؟
**هذه روشتة تقود لكوارث اقتصادية لأسباب عديدة ولكن ما زاد الطين بلة اتجاه النظام للتخلص من واحدة من أجمل مناطق العالم ، منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي، وهو قرار يفتقر للحكمة، حيث اختارت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة تحالفا إماراتيا لتنفيذ مشروع باستثمارات 22 مليار دولار في تلك المنطقة فضلا عن أن بيع هذه الأصول يتم باثمان بخسة ،وبعيدا جدا عن سعره الرسمي، ولم يختلف الحال كثيرا في سعره بالنسبة للعقود الآجلة غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهرا في الأسواق الدولية، وكذلك في تسعير شهادات الإيداع الدولية.
*هذه الأزمة الطاحنة لم تدفع النظام للتراجع ولكنه صمم علي الاستمرار في نفس النهج ولم يبد أي نية للتراجع عن السياسات التي أوصلتنا لهذه الكارثة؟
**النظام مصمم علي الاستمرار في نفس السياسات ،رغم مزاعم بأنه يبحث عن حلول، ولكن ما يجرى لا يزيد عن كونه إلا ترقيع للأزمة لتعقبها أزمة أخرى اشد شراسة من سابقتها ، فها هي الحكومة تتجه للتداين من جديد وتسلم المزيد من رقبتها لصندوق النقد الدولي الذي لا يأتي بخير، حيث يتردد الآن بأن الحكومة تقترب من اتفاق مع الصندوق سيرفع قيمة برنامج القرض الأخير من 3 مليارات إلى 7-8 مليارات دولار على ثلاث سنوات، مع الحصول على دفعة مقدمة إلى جانب 700 مليون دولار بعد إتمام المراجعتين الأولى والثانية من برنامج القرض،
*لكن هذا القرض الذي تتحدث عنه كان مثيرا للجدل ولم يتم اتمامه حتي اليوم ؟
**هذا القرض تم ابرامه أواخر عام 2022 بموجب برنامج مدته 46 شهرا ولم تحصل مصر سوى على 347 مليون دولار من هذا المبلغ، بينما يرتبط حصولها على شرائح إضافية بمراجعة الصندوق لمدى التقدم الذي أحرزته بشأن شروط الاتفاقية المتعلقة بما يسمى بالإصلاح الاقتصادي..
*في هذا السياق وضمن مسلسل التخبط المستمر لجأ البنك المركزي إلي رفع أسعار الفائدة رغم خطورته؟
**في ظل ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها اتجه البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، لأول مرة منذ أغسطس من العام الماضي، كما أعلن السيسي عن حزمة حماية اجتماعية جديدة بـ180 مليار جنيه اعتبارا من مارس المقبل؛ تشمل زيادة أجور العاملين في القطاع العام، ورفع حد الإعفاء من ضريبة الدخل،
ما اتخذه النظام من قرارات في هذا السياق غير كاف وتبدو شديدة التواضع اذا تمت مقارنتها بالزيادة في الأسعار، وما سوف يترتب على تعويم الجنيه إن عاجلا أو آجلا وفق متطلبات صندوق النقد الدولي الذي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري مجددا في العام المالي الحالي “2024/2023” إلى 3.0 في المئة من توقعاته السابقة البالغة 3.6 %..
*لكن الحلول التي يتبنها النظام تبدو غير جادة وتفتقد الأسس الاقتصادية المهمة ؟*
**مشكلة مصر الاقتصادية لا يمكن فصلها عن مشكلتها السياسية، فانسداد الأفق السياسي يحقق انسدادا للأفق الاقتصادي، ومصر ليست دولة فقيرة بل دولة متنوعة الموارد، لديها طاقات وعقول بشرية يقدرها العالم ، لذا فإن الخروج من المأزق الراهن يحتاج إلى وضع استراتيجية واضحة المعالم ،وتحويلها إلى سياسات وإجراءات يتم البدء في تطبيقهاوزيادة المعاشات، إلى جانب رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع العام إلي 600جنيه مع الوضع الاعتبار أن هؤلاء يشكلون شريحة ضيقة جدا من القوي العاملة المصرية
و علينا التنبه هنا كذلك إلي أن الخروج من الأزمة الاقتصادية المصرية لا يرتكز علي سياسيات اقتصادية فقط ،بل يحتاج لقرارات سياسية ترفع المظالم عن ملايين المصريين ،وتبييض السجون من المظلومين، مع إصلاح القضاء، والاعتماد على أهل الخبرة والأمانة في الاقتصاد، وفتح المجال لهم للإصلاح، وتعزيز قوى السوق الحرة الشريفة بعيدا عن عسكرة الاقتصاد،
وكذلك توجيه الجيش لأداء مهامه في التصنيع الحربي وامتلاكه ميزة نسبية في ذلك تعزز الصادرات، مع أهمية الدفع بقوة الاقتصاد نحو تعزيز الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات وترشيد الواردات، .
*هل من وسائل أكثر سرعة لتجاوز الأزمة؟
**يجب هنا الاستفادة من الاستثمار الأجنبي المباشر وفق المصالح المتبادلة، وفي الوقت نفسه تبدو أهمية التخلص من سيطرة صندوق النقد الدولي بوضع سعر عادل لسعر صرف الجنيه المصري، والإعلان عن جدولة الديون بدلا من ترقيعها، والتوقف بعد ذلك كليا عن اللجوء للديون لا سيما الخارجية منها؟