أكبر عملية اغتصاب فكري حدثت بعقولنا، هي إقناعنا بأن الشجر والحجر والرمال والحدود الوهمية وطن، وأننا يجب ان نموت فداء للأسلاك الشائكة التي رسمها ضابطان من عناصر المخابرات البريطانية والفرنسية ﺳﺎﻳﻜﺲ وبيكو، ﻭسَمُّوا الحظيرة بداخلها بالوطن.!
وقاموا بإعطاء الأشخاص داخل الحظائر بطاقة الهوية والجنسية والقومية والعرق والنسل..
لكي يعرفوا الأشخاص تماما كما يصبغون الماشية لكي يعرِفها أصحابها..
ومع أن هذه المُسمّيات للتفرقة..
تجد الأشخاص يعتقدون أنهم مُقدّسون وذوو شأن وتاريخ عظيمين؛
فتجد المصري والسوداني
والسعودي والأردني
والعماني واليمني
والمغربي والجزائري
وغيرهم يتفاخرون بتاريخ مُزيّف يسمّى يوم وطني!
وكل منهم يقتل الآخر إذا عبر الصحاري إلى التراب المُقدّس
وأصبح قتل كل من يعبر الحدود الوهمية إلى التراب المقدس..
شرفاً ووطنية عظيمة
وموتاً في سبيل الوطن (شهيد الوطن) وسينال الجنة……
وصِرنا نجد الشعوب تتبادل الشتائم والكراهية والفرقة..
بالرغم من أن دينهم واحد، ولغتهم واحدة وتاريخهم واحد مشترك.
اتفاقية سايكس وبيكو أدخلت الأُمة في ١٠٠ سنة من التيه والضياع،
جعلت الولاء والبراء يُعقد على قطعة أرضٍ مُسيّجة بسياج مشبك،
وخرقة ملونة بألوان رسمها سايكس وبيكو عند وضعهم الحدود الوهمية بيننا.
وأصبح من يملك ورقة تُسمّى “جنسية” هو أخي وصديقي كائناً من كان!!
ومن هو خارج هذه الحدود الوهمية هو ألدّ أعدائي وخصامهم واجب كائناً من كان.
أتخيّل مشهداً في ذهني كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم واقفا بعز، وشموخ،
يرمق جيشه،
وفيه العربي والأعجمي،
الأبيض والأسود،
فيه أبو بكر القرشي،
وسعد الأوسي،
وسلمان الفارسي،
وصهيب الرومي،
وأبو ذر الكناني،
وبلال الحبشي،
فيقول رسولنا صلّ الله عليه وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة.
فيرد جيشه صلى الله عليه وسلم قائلين:
نحن الذين بايعوا محمدا، على الجهاد ما بقينا أبدا.
لم يكن نتفرق ونتجزأ بحدود يوم تسيّدنا الدنيا….
يوم كان عُمر في المدينة يحكم نصف العالم بدوله واحده هي الآن تفتتت الى أكثر من اثنتين وعشرين دولة…
وكانت جيوش الوليد تملك من تحت سور الصين شرقاً إلي جنوب فرنسا غرباً
وكان هارون الرشيد يحكم ثلاثة أرباع آسيا
وكان المعتصم يهدّد حدود بلغاريا الآن بعد ان هدم عمورية
وكان صلاح الدين يحطّم الصليبيين ويحرّر القدس
وكان قُطز يقضي على المغول وينقذ العالم من شرّهم
وكان العثمانيون يزيلون من خريطة العالم أعتي صليبية هي الإمبراطورية البيزنطية ويحكمون أكثر من نصف أوربا
لم يكن لنا حدود حين كان المواطن يمشي من قرطبة إلى بغداد
ومن المغرب إلى مكة لا يسأله أحد عن جواز مرور.
فلتسقط سايكس وبيكو
ومن صنعها.. ومـَن يتمسك بها ليبقي على شتات هذه الأمة وضعفها وتمزقها!!
كتبه العميد المصري المتقاعد محمد صفوت الزيات، رحمه الله