بعد مرور أربعين عاما على كارثة مفاعل تشيرنوبيل النووي التي لونت سماء أوروبا بالإشعاع وتسببت في أزمة بيئية طالت الطعام والشراب، تؤكد السلطات الألمانية اليوم أن الفطر البري في الغابات الألمانية أصبح آمنا للاستهلاك بشكل عام.
وأفاد المكتب الاتحادي للحماية من الإشعاع بأن بعض عينات الفطر في مناطق محدودة جنوب ألمانيا قد لا تزال تحمل مستويات مرتفعة من النظير المشع سيزيوم 137 ، إلا أن غالبية المواد الغذائية الأساسية خالية تقريبا من التلوث الإشعاعي.
وأكد الخبراء أن تناول الفطر الذي يحتوي على السيزيوم بين الحين والآخر لا يرفع جرعة الإشعاع في جسم الإنسان إلا بشكل طفيف وغير خطير مما يضع حدا للقلق الذي استمر لعقود.
الكارثة التي هزت العالم
في 26 أبريل 1986، وقع الانفجار الكارثي في مفاعل تشيرنوبيل النووي في أوكرانيا (التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي آنذاك). لم يكن الانفجار نفسه فحسب هو المشكلة، بل الحريق الهائل الذي تلاه واستمر لأيام، والذي أطلق سحابة هائلة من “الجسيمات المشعة” (وخاصة نظير السيزيوم-137 Cesium-137) في الغلاف الجوي.
رحلة السحابة المشعة إلى أوروبا
حملت الرياح هذه السحابة عبر حدود الاتحاد السوفيتي إلى أجزاء كبيرة من أوروبا. كانت ألمانيا، وخاصة المناطق الجنوبية مثل بافاريا وبادن-فورتمبيرغ، من بين أكثر المناطق تضررًا خارج الاتحاد السوفيتي، حيث هطلت عليها أمطار غزيرة أثناء مرور السحابة، مما أدى إلى “غسل” الجسيمات المشعة وترسيبها على التربة والغابات.
لماذا الفطر تحديدًا؟
السبب في استمرار تلوث الفطر بعد كل هذا الوقت يعود إلى طبيعة نموه ودورة حياة النظير المشع:
1. طبيعة النمو: الفطر (عيش الغراب) ليس نباتًا تقليديًا. فهو ينمو من **شبكة فطرية (Mycelium)** مختبئة في التربة. تمتص هذه الشبكة الماء والمواد الغذائية – بما في ذلك السيزيوم-137– من التربة مباشرةً، نظرًا لتشابهه الكيميائي مع البوتاسيوم، وهو عنصر مغذٍ.
2. عمر النصف الطويل: يتميز نظير السيزيوم-137 بعمر نصف (Half-life) يبلغ حوالي 30 عامًا. وهذا يعني أن كمية الإشعاع المنبعثة منه تتنصف كل 30 عامًا. بعد 40 عامًا، لا يزال ما يقرب من 37% من النشاط الإشعاعي الأصلي موجودًا في البيئة. لذلك، ستستمر هذه المشكلة لعدة عقود قادمة.
3. دورة إعادة التلويث: تتحلل المواد العضوية مثل أوراق الأشجار والأغصان الميتة، ولكنها تعيد تدوير **السيزيوم-137** مرة أخرى إلى التربة، مما يحافظ على مستواه فيها، وبالتالي استمرار امتصاصه من قبل الشبكة الفطرية.
الرصد المستمر والتطمينات
طوال هذه السنوات، ظلت السلطات الألمانية، عبر المكتب الاتحادي للحماية من الإشعاع (BfS)، تراقب مستويات الإشعاع في المواد الغذائية
التقرير الأخير هو جزء من هذا الجهد العلمي المستمر. التأكيد على أن “تناول الفطر من حين لآخر غير خطير” هو نتيجة لرصد دام لأكثر من 40 عامًا وفهم دقيق لمستويات التلوث وتأثيرات الجرعات المنخفضة على صحة الإنسان. الخطر الحقيقي كان في السنوات الأولى مباشرة بعد الكارثة، أما اليوم فهو موجود ولكن بمستويات محدودة للغاية في معظم المناطق.