الجمعة سبتمبر 20, 2024
أقلام حرة

إسرائيل واغتيال هنية.. مكسب تكتيكي وخسارة استراتيجية فادحة

مشاركة:

بقلم: ياسر سعد الدين

في محاولة لتسجيل انتصار يستدرك به معنويات جيشه وشعبه المنهارة، ولإعطاء مبرر لرغبته في إطالة الحرب للهروب من استحقاقات سياسية بالغة الصعوبة ونهاية بائسة لمن كان يقدم نفسه أيقونة سياسية في أطول حكم لسياسي في دولة الاحتلال منذ اغتصابها لأرض فلسطين في 1948، جاء اغتيال نتنياهو لإسماعيل هنية ضاربا بعرض الحائط القوانين الدولية، ومستهينا ومستخفا بالمجتمع الدولي، ومقترفا إرهاب الدولة بكل صلف وعنجهية.

بتقديري قرار تصفية هنية هو من أكبر الحماقات التي اقترفها السفاح نتنياهو على عظم ما سبق من حماقات ارتكبها. فنتنياهو والذي أمعن في جرائمه بحق غزة، فتح الأبواب لثقافة الجهاد والاستشهاد على مصراعيها ليس في فلسطين فحسب، ولكن في عموم العالم الإسلامي ليتربى عليه جيل بل أجيال عانت بمرارة وبؤس من محاولات النظام العربي الرسمي المستمرة والمتواصلة بث ونشر ثقافة الإذعان والاستسلام والخضوع والتنازلات.

العالم الإسلامي وبالتحديد العربي منه تعرض وما يزال لهجمات عقدية وفكرية وثقافية وأخلاقية تستهدفه وتريد بعثرة أولوياته وتنشئته على الحياة الاستهلاكية والتي تجعل من لاعب عجوز في مقاييس كرة القدم مثل رونالدو كريستيانو وخليلته نماذج تقتدى ونجوم بسلوكها المشين يحتذى. وفي ذات السياق تم تغيير مناهج التعليم ومحاصرة المفكرين والدعاة ونشر مهرجانات الرقص والخلاعة والوضاعة في مجتمعاتنا وتجمعاتنا، والتي توازت مع هستيريا شبق التطبيع لأنظمة عربية مع عدو متعجرف ينتهك المقدسات ويسفك الدماء وينتهك الحرمات.

جاءت أحداث غزة وصمود وصبر الجيل القرآني الغزي وبطولات المقاومة والتي تعدت نطاق الخيال، لتحي في الأمة مفهوم الجهاد وثقافة الاستشهاد والعزة والكرامة والرفض القاطع للخضوع للاحتلال مهما كانت سطوته وشدة بطشه وحدة جرائمه. فجموع الشباب والفتية وبل وجميع الفئات العمرية تراقب ما يجري في غزة ما بين تعاطف مع الضحايا وغضب دفين من تواطؤ أنظمة عربية ودول غربية مع الإجرام الصهيوني، ومن المعايير الدولية المزدوجة تلك التي تبكي وتجبر العالم على البكاء على محرقة لم يشهدها ولم يشاهدها سوى بشهادات وروايات، فيما تستمر محرقة غزة ومن شهور عشرة يشاهدها العالم على الهواء مباشرة ومن غير توقف.

رفض نتنياهو وقف إطلاق النار ووقف حرب الإبادة على غزة لتطول معاناة الغزيين ومراقبة العرب والمسلمين والشباب منهم على وجه خاص لبطولات وصولات المقاومة وجولاتها وسماعهم لكلمات أبوعبيدة وهو يردد مفاهيم إسلامية وأفكار جهادية، لتغير ببطء وإن كان برسوخ مفاهيم حاول النظام العربي الرسمي بمجمله بتوجيهات وأوامر خارجية زرعها وغرسها في الأجيال، مفاهيم التبعية والانكسار والدونية. نتنياهو يساهم في تربية جيل فلسطيني غزي شديد البأس لا يرى بديلا عن التحرير والثأر سوى الشهادة وأمجادها، وجيل عربي إسلامي يتشرب ثقافة الجهاد والاستشهاد، كما ربى فرعون موسى عليه السلام في قصره لينهي حكمه وظلمه وطغيانه.

استشهاد هنية وردة الفعل العفوية والسريعة في الضفة الغربية والتي شهدت إضرابا شاملا اسقطت تحليلات زائفة ومقولات ساقطة تتهم المقاومة بالإرهاب وباختطاف القرار الفلسطيني. فإذا كانت انتخابات 2006 النزيهة والديمقراطية قد أثبتت عمق شعبية حركة المقاومة الإسلامية والتي جاءت بإسماعيل هنية رئيسا للوزراء، فإن الغضب الفلسطيني الشامل والعفوي وغير المبرمج على استشهاد الرجل أثبت أن خيار المقاومة هو خيار الشعب الفلسطيني وأن الفلسطينيين أكثر تشبثا بالمقاومة من أي وقت مضى، وانها خيارهم فيما قادتها يمثلونهم تمثيلا حقيقيا أصيلا. بل إن حملات التشويه الإعلامية من الإعلام الليكودي العربي وغيره كما حملات القمع والبطش الصهيونية ما زادتهم الا اقتناعا وإيمانا بصدقية المقاومة وإخلاص قادتها وصوابية خيارها واختياراتها.

أضاف اغتيال الصهاينة لإسماعيل هنية رمزا جديا وعلما ومعلما مميزا وفريدا للفلسطينيين. فما إن استشهد الرجل حتى تناقلت وسائل التواصل مقاطع من قراءته الندية لآيات من سورة آل عمران تتحدث عن الاستشهاد والجهاد، كما انتشرت أحاديثه عن الشهادة ومواقفه بعد استشهاد أبنائه الثلاثة وثباته ورباطة جأشه، لتعطي المقاومة وحاضنتها الشعبية والتي تتوسع يوما إثر يوم لتشمل غالبية الشعب الفلسطيني، زخما معنويا كبيرا وذخيرة نفسية وثبات وإصرار وعزيمة وبأسا.

ثم كانت جنازة الرجل حدثا تاريخيا بكل معنى الكلمة، فلقد توافدت جموع المشيعين ومن ساعات الصباح الباكر ومن جنسيات مختلفة ومن جميع الفئات العمرية إلى مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب في يوم صيفي شديد القيظ مرتفع الحرارة ليعبروا وبصمت عن حبهم العميق للرجل وعن تضامنهم الكبير مع غزة وأهلها ومقاومتها وعن غضبهم من تمادي الإجرام الصهيوني.

الحضور الجماهيري الكبير رغم الظروف الصعبة واضطرار المشيعين للسير على الأقدام مسافات طويلة تحت شمس لاهبة، إضافة إلى صلاة الغائب والتي أقيمت على الرجل في أرجاء العالم الإسلامي وبحضور كثيف من إندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا، أرسلت للعالم وللمطبعين ولدول عربية التزمت الصمت في تعاملها مع الجريمة الصهيونية رسالة بالغة المعنى والتأثير، إن غضب الشعوب العربية والإسلامية على ما يحدث من حرب إبادة على غزة وأهلها، شديد وعميق وقد يتفجر كما تفجر الغضب في الجامعات الغربية من شهور وبشكل مفاجئ.

باختصار، الجريمة الصهيونية إضافة جديدة في السقطات والانتهاكات ومنطق إرهاب الدولة والغدر وانعدام الأخلاق، وترسيخا لشرعية تمثيل المقاومة للشارع الفلسطيني وشعبيتها العارمة في العالم العربي والإسلامي، وإحراجا إلى حد المهانة للمطبعين العرب، وشحنة غضب تزيد من إصرار المقاومة والشعب الفلسطيني على خيار الصمود والصبر والمصابرة.

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب