الأثنين مايو 20, 2024
أقلام حرة

إياد العطية يكتب: في التاريخ دروس وعبر

 

إن الله تعالى إذا أراد شيئًا هيأ له أسبابه، وضبط له ظروفه، واحكم له تفاصيله لإتمامه على الشكل الذي يريده بحكمته ووفق مراده!

‏قٌبيل بعثة النبي بالرسالة والنبوة أشغل الله تعالى الروم والفرس بحرب طاحنة بينهما استمرت لفترة طويلة، مرت بها بعثة النبي حتى صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، والذي سمي فتحًا مبينًا .

‏2- من حكمة الله أن معركة الروم والفرس هذه استمرت قرابة الربع قرن!

استطاع خلالها النبي أن ينشر رسالته، ويجمع الناس من حوله، ثم يتمكن من كل أسباب القوة والتمكين، وأصبح المسلمون رقمًا صعبًا في دائرة التأثير والصراع، دون أن تتعرض له هاتان القوتان.

فأشغلهم الله تعالى بأنفسهم طوال فترة التأسيس للدولة الإسلامية، وقبل تمكن النبي ﷺ من القوة بشكل كامل.

‏3 – بحكمته تعالى وقعت حرب الروم والفرس هذه حتى لا تستعين قريش بإحدى القوتين ضد دعوة النبي ﷺ، بخاصة وأن النبي يدعو لتوحيد الله ﷻ، عقيدة تهدم عقيدة الروم والفرس، وتعلن عليهم الحرب في أرض العرب التي يغتصبونها كل من جهته.

‏4- كانت قريش ترتبط مع الروم بمصالح تجارية كبيرة في الشام، يمكنها طلب العون والدعم منهم لإيقاف دعوة النبي باعتباره حدث جديد طرأ على الساحة يهدد نفوذهم وسلطانهم جميعًا، ويعرض تجارتهم للخطر.

‏منعها من ذلك انشغال الروم بهذه الحرب الطاحنة مع الفرس !

5- ‏فتأملوا معي أحبتي كيف يدبر الله ﷻ الأمر ويهيأ له أسبابه لإتمامه!

‏ولا شك أن ما تمر به الأمة اليوم من أحداث عظام والتي ساهمت في إعادة تكوين وعيها الفكري من جديد، يقينًا هي توطئة لإتمام أمر عظيم!

﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ﴾

‏6- في تلك الأحداث من التاريخ دروس وعبر نستفيد منها في حاضرنا، ونستخرج منها لواقعنا ما ينفعنا.

‏فلعل الله تعالى يريد من أحداث اليوم أمرًا عظيمًا لغد، يُمكن الله فيه المسلمون، ويعيد للأمة سلطانها المغصوب.

‏ ﴿لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾

7- ولا شك أن أحداث غزة اليوم هي حلقة مهمة في سلسلة أحداث الأمة التي سوف تساهم في تشكيل الوعي من جديد، وتزيل الغشاوة عن الأبصار، وترفع من جاهزية الأمة في خوض معاركها المصيرية في إعادة سلطانها المسلوب.

8- إن من لوازم استعادة القوة والتمكين على الأرض والتغيير في موازين القوة مرة أخرى؛ أن يسبقها ثورة فكرية، ووعي شامل في مجريات الصراع مع الأعداء، ثم تبدأ تتكسر الأصنام وتسقط الأقنعة عن كل المشاريع التي تأثرت بها الأمة وانخدعت بها.

9- فلقد تحطم صنم القومية، وتحطم صنم القطرية، وتحطم صنم الغلو، وتحطم صنم الإرجاء، وسقط معهم كل دعاة هذه المشاريع  ومروجيها، فكلما تكسر صنم أرتفع منسوب وعي الأمة تجاه قضاياها.

10- ثم سقطت الأقنعة عن المشاريع والأشخاص الذين استتروا خلفها، فسقط قناع الحكومات والسلاطين وجيوشهم وتبعيتهم للغرب، وسقط قناع علمائهم السوء الذين يشرعون لهم ظلمهم وعمالتهم، وسقط قناع دعاة المقاومة والممانعة، وسقط قناع تجار القضايا والنفعيين، حتى تتكشف للأمة الصورة وتصبح واضحة جلية.

11- هذه المسيرة الصعبة للأمة المخضبة بدماء ابنائها وفلذات اكبادها، هي ثمن خروجها من مرحلة الاستضعاف وبداية نهوضها من جديد، كان مقدمتها زيادة وعيها وفهمها للأحداث من حولها.

12- لقد اسقط الله أمام الأمة منذ حرب افغانستان مرورًا باحتلال العراق وأحداث سورية ومصر واليمن وأخيرًا غزة كل المشاريع التي من شأنها أن تُعطل مسيرتها، وكسر أمامها الأصنام التي شيدت لتعبدها من غير الله، وكأنما الله تعالى يسوق الأمة سوقًا إلى مشروع خلاصها، وإعادة مكانها الريادي على الأرض.

Please follow and like us:
إياد العطية
كاتب وباحث في شؤون الأمة ومهتم بتاريخها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب