منذ تأسيس النظام الإيراني عام 1979، يعاني الاقتصاد الإيراني من تضخم حلزوني وتدهور مستمر للعملة الوطنية، الريال.
وكان من المفترض أن يكون البنك المركزي الإيراني، كمؤسسة رئيسية، درعاً لحماية الاستقرار النقدي ودعم الاقتصاد الوطني، لكنه تحول إلى رمز صارخ للفشل المنهجي الذي يعكس هشاشة حوكمة النظام. مقارنة بالدول الإقليمية المجاورة التي تمكنت من كبح التضخم وتحقيق استقرار نسبي، مثل دول الخليج،
وتظل إيران غارقة في دورات أزمات اقتصادية متكررة، تفاقمت تحت حكم الملالي، حيث أدت السياسات الاقتصادية المعيبة والصراعات الفئوية إلى تفاقم معاناة المواطنين وتعميق عدم الثقة في المؤسسات.
آمال خائبة وسياسات فاشلة
عندما تولى محمد رضا فرزين منصب محافظ البنك المركزي الإيراني في يناير 2023، خلفاً لعلي صالح آبادي، روّج محللو النظام لفكرة أن تعيينه سيجلب الهدوء والاستقرار إلى سوق الصرف الأجنبي المتقلب.
لكن، وبدلاً من تحقيق هذا الهدف، أدت سياساته، التي اعتمدت بشكل رئيسي على ضخ كميات كبيرة من العملة في السوق، إلى فشل ذريع في تحقيق استقرار مستدام. انهار التومان بشكل دراماتيكي من حوالي 44,000 مقابل الدولار الأمريكي إلى أكثر من 72,000، واقترب في بعض الفترات من حاجز 100,000 تومان للدولار الواحد.

ولم يكن هذا الانهيار الحرّ للعملة الوطنية لم يكن مجرد أزمة اقتصادية، بل كارثة اجتماعية، حيث تسبب في تكثيف التضخم وتدمير القدرة الشرائية للمواطنين العاديين، مما أدى إلى تفاقم الفقر وتوسيع هوة عدم المساواة.
بلغ التضخم مستويات غير مسبوقة تحت إدارة فرزين، حيث أفادت الأرقام الرسمية بأن التضخم السنوي وصل إلى 47.6%، بينما سجل التضخم النقطي 55.5% في أوائل عام 2023.
لكن تقديرات مستقلة، بعيداً عن الرواية الرسمية، أشارت إلى أن التضخم الحقيقي قد تجاوز 60%، مما يعكس عمق الأزمة. انتقد عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي السابق، سياسة طباعة النقود التي شهدت زيادة بنسبة 43% خلال عام 2022، واصفاً إياها بالمحرك الأساسي لانهيار العملة وارتفاع معدلات التضخم، مما يشير إلى غياب رؤية اقتصادية متماسكة داخل النظام.
التضخم و حياة المواطنين
كانت العواقب الاجتماعية لهذه السياسات كارثية بالنسبة للمواطنين العاديين. فمليون تومان، التي كانت تمثل قيمة شرائية معقولة في أوائل عام 2023، أصبحت اليوم تساوي أقل من 380,000 تومان، أي خسارة تزيد عن 60% في القوة الشرائية خلال فترة قصيرة.
كما وصف الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز التضخم بأنه “مصادرة خفية للثروة”، وفي إيران، رافق هذا التضخم نمو نقدي متفجر. فقد ارتفعت السيولة النقدية من 6,337 تريليون تومان في يناير 2023 إلى ما يقرب من 10,000 تريليون بحلول مارس 2025، بزيادة قدرها 58%.
وهذا يعني أن النظام كان يطبع ما يعادل 4.8 تريليون تومان إضافية يومياً، مما أغرق الاقتصاد بالنقود دون دعم إنتاجي حقيقي، وزاد من حدة الأزمة.

النظام الإيراني من جانبه ، في محاولة لتلميع صورته، يروج لأرقام النمو الاقتصادي الرسمية – التي تقدر بحوالي 4% – كدليل على النجاح.
لكن هذا النمو يعتمد بشكل رئيسي على مبيعات النفط المخفضة إلى الصين، وليس على إنتاجية اقتصادية حقيقية أو تحسينات هيكلية. في الواقع، ألغى التضخم الغالي أي تأثير إيجابي محتمل لهذا النمو، تاركاً مستويات المعيشة الحقيقية في تراجع مستمر.
وعد النظام بتحقيق “العدالة الاجتماعية”، المنصوص عليها في قوانينه، ظل حبراً على ورق، حيث اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء تحت حكم الملالي، مما أدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية.
تسييس البنك المركزي
لم تقتصر إخفاقات محمد رضا فرزين على السياسات الاقتصادية فحسب، بل امتدت إلى المناورات السياسية التي كشفت عن تسييس البنك المركزي.
فعلى الرغم من الحظر الرسمي على التعيينات الجديدة خلال الفترة الانتقالية للحكومة الجديدة في عام 2024، أصدر فرزين أكثر من 15 تعييناً إدارياً، كثير منها مرتبط بحلفاء الفصائل السياسية المتشددة، مثل أنصار سعيد جليلي. هذه التحركات في اللحظات الأخيرة تؤكد كيف أصبح البنك المركزي أداة في يد الفصائل السياسية، يخدم مصالحها الضيقة بدلاً من تعزيز الاستقرار الوطني.
حتى تفسيرات فرزين لانهيار الريال، التي ألقت باللوم على قنوات التواصل الاجتماعي، كانت محاولة يائسة للتهرب من المسؤولية، وكشفت عن فقدان النظام للمصداقية والسيطرة على الرواية العامة. هذه التصريحات، التي بدت مفارقة في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة، عكست عجز المؤسسات عن مواجهة التحديات الحقيقية، مما زاد من استياء الجمهور.
فشل منهجي: نظام يعطي الأولوية لبقائه على حساب الشعب
إن إخفاقات البنك المركزي ليست مجرد أخطاء إدارية معزولة، بل هي نتيجة مباشرة لنظام حوكمة معيب يعاني من الفساد المؤسسي والصراعات الفئوية.
يستمر التضخم في تآكل سبل عيش المواطنين، والريال في حالة انهيار حر، بينما انهارت الثقة في المؤسسات الحكومية بشكل غير مسبوق. في كلمات النقاد، فقد البنك المركزي مهمته الأساسية: لم يحافظ على قيمة العملة الوطنية، ولم يتمكن من السيطرة على التضخم، وتحول إلى أداة سياسية تخدم النظام بدلاً من خدمة الشعب.
المعاناة الاقتصادية التي يتحملها الشعب الإيراني ليست نتيجة سوء إدارة فنية فحسب، بل هي انعكاس لنظام سياسي يعطي الأولوية لبقاء النخب الحاكمة على حساب رفاهية مواطنيه.
هذا الواقع دفع عشرات الآلاف من الإيرانيين الشرفاء والأحرار إلى الخروج في تظاهرات واسعة النطاق، داخل إيران وخارجها، مطالبين بإسقاط النظام بشكل جذري ودعم انتفاضة الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة.
على سبيل المثال، في 6 سبتمبر 2025، تجمع عشرات الآلاف من الإيرانيين وداعمي مجلس المقاومة الوطني الإيراني (NCRI) في بروكسل، احتفالاً بالذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، مطالبين بتصنيف حرس الثورة منظمة إرهابية، وفرض عقوبات أوسع على قادة النظام، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ودعم خطة مريم رجوي العشرية لإيران ديمقراطية علمانية غير نووية.