في عام 2025، تدخل مأساة الروهينجا فصلًا جديدًا من الألم والصمت الدولي، بعد أكثر من عقد من القمع والتطهير العرقي الذي تعرض له هذا الشعب المسلم في ميانمار.
وبينما تخوض البلاد حربًا أهلية طاحنة بين الجيش والمجموعات المسلحة. يجد الروهينجا أنفسهم مرة أخرى في موقع الضحية، محاصرين داخل أراضيهم في ولاية راخين، أو عالقين في مخيمات اللجوء المنهكة في بنغلاديش، دون أفق واضح للعودة الآمنة أو إعادة التوطين.
الانتهاكات لم تعد مقتصرة على الجيش النظامي فحسب، بل امتدت لتشمل جماعات متمردة تمارس العنف والتجنيد القسري، فيما يُستخدم الجوع كسلاح حربي ممنهج لتقييد السكان ومعاقبتهم جماعيًا.
وفي ظل انهيار التمويل الدولي لجهود الإغاثة، تبدو الأزمة مرشحة للتفاقم، إن لم يتم التحرك دوليًا وبشكل عاجل.
هذا التقرير يسرد أحدث المستجدات على الأرض، بالاستناد إلى تقارير حقوقية موثقة، إفادات إنسانية، وتحليلات خبراء القانون الدولي، مقدمًا صورة شاملة لوضع الروهينجا خلال النصف الثاني من عام 2025، بين القمع، الجوع، والمجهول.
راخين تحترق.. والروهينجا أول الضحايا
منذ مطلع هذا العام، تشهد ولاية راخين غرب ميانمار تصعيدًا حادًا في المواجهات بين الجيش النظامي (تاتماداو) ومتمردي “جيش أراكان”، ما أوقع آلاف القتلى والنازحين.
وسط هذا المشهد الدموي، يبرز الروهينجا كضحية ثالثة؛ فقد باتوا عالقين بين نيران السلطة العسكرية من جهة، وبين عنف قوات جيش أراكان التي تتهمهم بالتحالف مع الجيش من جهة أخرى. السكان الروهينجا يعانون من قيود صارمة على التنقل، تجنيد قسري، ومصادرة للأراضي، دون حماية أو تمثيل سياسي حقيقي (وفق تقرير منظمة العفو الدولية – 25 يوليو 2025).
في المناطق التي يسيطر عليها جيش أراكان، لا يختلف الوضع كثيرًا؛ إذ أفادت هيومن رايتس ووتش أن قوات المتمردين تمارس التمييز العنصري ضد الروهينجا، وتفرض عليهم أعمالاً شاقة، وتجند أطفالهم بالقوة، وسط صمت دولي واضح (وفق تقرير هيومن رايتس ووتش ).
مجاعة مفروضة.. الجوع سلاح حرب جديد
مع استمرار الحصار المفروض على مخيمات الروهينجا في شمال راخين، بدأت التقارير الطبية تشير إلى تدهور بالغ في الأوضاع الصحية. منذ يناير وحتى يوليو، سُجّل وفاة 25 بالغًا بسبب الجوع، إضافة إلى 7 آخرين بسبب أمراض كان من الممكن علاجها بسهولة لولا الحصار المفروض على دخول الإمدادات.
صور الأطفال الذين يعانون من الهزال الشديد أصبحت شائعة، بينما يقول السكان إن “الجيش يبيع المياه بسعر الذهب”، في إشارة إلى استغلالهم حتى في أبسط الحقوق المعيشية (وفق صحيفة واشنطن بوست).
كوكس بازار.. مخيمات بلا مستقبل
في بنغلاديش، وتحديدًا بمخيمات “كوكس بازار” التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا، يبدو أن الوضع الإنساني يتجه نحو نقطة الانهيار.
فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تم تمويل 35% فقط من خطة الاستجابة لعام 2025، ما ينذر بانقطاع خدمات الرعاية الصحية بحلول سبتمبر، وتوقف توزيع الغذاء في ديسمبر إذا لم يتم التدخل العاجل (وفق بيان رسمي من UNHCR ).
المخيمات نفسها أصبحت أكثر عنفًا من ذي قبل، حيث تنتشر مجموعات مسلحة مثل جيش الإنقاذ (ARSA)، وسط غياب سيطرة أمنية فعالة. عمليات الخطف، والتجنيد، والاتجار بالبشر صارت وقائع يومية، فيما أُجبر بعض القُصّر على الانضمام إلى الفصائل المسلحة بحثًا عن الحماية أو الغذاء (وفق وكالة رويترز ).
إعادة التوطين.. خطوة شكلية أم تضليل سياسي؟
في أبريل الماضي، أعلنت حكومة ميانمار العسكرية أنها وافقت على إعادة 180 ألف لاجئ من الروهينجا في بنغلاديش، مع وجود 70 ألف اسم آخر قيد الدراسة. لكن هذه الخطة قوبلت برفض واسع من اللاجئين أنفسهم، الذين أكدوا أنهم لن يعودوا دون ضمانات دولية تشمل نيل الجنسية، والاعتراف القانوني، والحماية من الاضطهاد (وفق وكالة رويترز ).
يقول تون خين، رئيس منظمة “الروهينجا في بريطانيا”: “ما يُطرح من وعود فارغ من المضمون، لأن ذات النظام الذي قتلنا وشرّدنا هو من يدير ملف العودة”، مؤكدًا أن الروهينجا ما زالوا بلا حقوق قانونية داخل بلادهم (وفق تصريح تون خين لـ Human Rights Watch ).
العدالة الغائبة.. والروهينجا في دائرة الإفلات من العقاب
ورغم فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا رسميًا في جرائم الإبادة الجماعية التي وقعت عام 2017، لم تُصدر المحكمة أي مذكرات توقيف جديدة خلال العام الجاري. هذا التباطؤ أثار استياء المنظمات الحقوقية، التي طالبت بتحقيقات عاجلة في الجرائم الجارية الآن، خصوصًا سياسة التجويع والحصار المفروضة في راخين وفق موقع المحكمة الجنائية الدولية.
من جهة أخرى، تؤكد تقارير هيومن رايتس ووتش أن “ما تعانيه الروهينجا اليوم ليس مجرد تهميش، بل نظام أبارتايد كامل الأركان”، حيث يُفصل أبناء الطائفة عن المجتمع، ويُمنعون من التعليم والتنقل، ولا يُسمح لهم بالعمل خارج حدود قراهم المحاصرة (وفق تقرير HRW السنوي).
أزمة ممتدة وأمل يتراجع
وسط صمت دولي مريب وتراجع حاد في تمويل جهود الإغاثة، تتدهور أوضاع الروهينجا يومًا بعد يوم. سواء كانوا داخل ميانمار أو في المنفى، فإنهم يعيشون اليوم على هامش الإنسانية، بلا دولة، بلا حقوق، وبلا ضمانات مستقبلية. وبينما يواصل قادتهم مناشدة العالم، تبقى استجابة المجتمع الدولي بطيئة، وربما غير كافية لمنع الكارثة القادمة.