في خضم أنقاض 14 عامًا من الحرب، تبدو سوريا على أعتاب فجر جديد، تدعمها شقيقتُها في الخليج. السعودية، بقرار جريء وبرؤية مستقبلية، تتقدم كأول من يمد يدها للسلام الاقتصادي، حاملة معها بوادر تعاون وإعمار.
وخلال الأسبوعين الماضيين، شهدنا توقيع اتفاقية “تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة” بين الرياض ودمشق، بوصفها خطوة نوعية وفاصلة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تهدف إلى وضع أطر قانونية واضحة لحماية رؤوس الأموال وتشجيع التعاون في قطاعات الصناعة والخدمات والبنية التحتية والسياحة. إلى جانب ذلك، أُعلن عن نية إنشاء صندوق استثماري مشترك سيصبح منصة مركزية لتدفق الاستثمارات المشتركة ([أشرف الأوسط][3]).
منتدى الاستثمار السعودي-السوري
في شهر يوليو 2025، احتضنت دمشق منتدى الاستثمار السعودي-السوري بمشاركة وزيري الاستثمار من الجانبين. أسفرت الجلسات عن توقيع47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تجاوزت 6 مليارات دولار، تتضمن مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية، الطاقة، الزراعة، والعقارات. ويتوقع أن تُولد هذه المشاريع حوالي 50 ألف فرصة عمل مباشرة، وما يصل إلى 150 ألف وظيفة غير مباشرة.
لم يكن هذا الحراك الاقتصادي منفصلًا عن سياق دبلوماسي أوسع. ففي مايو 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بعد مطالب سياسية قوية من ولي العهد السعودي. ذلك سمح بتسوية ديون سورية متراكمة تبلغ 15.5 مليون دولار لدى البنك الدولي، ما يجعل البلاد مؤهّلة للحصول على تمويلات جديدة لدعم إعادة بناء اقتصادها ([Reuters][9]). كما بدأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالتنسيق مع السلطات السورية من أجل إعادة دمجها في النظام المالي العالمي.
توسع المحاور الاستثمارية
الاهتمام السعودي تخطى مجرد التمويل. فقد حضر الأردن وصندوق الاستثمار السعودي، بالإضافة إلى القطاع الخاص السعودي، لرسم خارطة استثمارية تمتد إلى القطاعات الصناعية، التقنية، اللوجستية، وحتى الزراعة والسياحة. كما تجلت القوة التنفيذية في رفع أعداد رخص الاستثمار للمستثمرين السوريين في المملكة إلى نحو 3,225 رخصة في 2024، مقارنة بعام سابق، ما يعني توسيع تواجد السوريين في السوق السعودية وتشغيل أكثر من 61 ألف عامل بينهم 14 ألف سعودي.
إعادة البناء والنظر إلى المستقبل
يقول خبراء التحليل السياسي إن دعم السعودية لسوريا لا يقتصر على خطط اقتصادية، بل هو مشروع استراتيجي لإعادة الاستقرار في المنطقة، وإدماج سوريا ضمن محور اقتصادي معتدل وقادر على البناء والتحول نحو النمو الإقليمي. فبعد سنوات من المقاطعة، أُعيد افتتاح السفارة السعودية في دمشق في سبتمبر 2024، وتُوجت العلاقات بلقاء رسمي في الرياض في نوفمبر من ذات العام.
من خلال هذه الخطوات المتسارعة، تتجه سوريا نحو مرحلة جديدة من إعادة إعمارٍ مدفونة تحت ركام الحرب، بينما تعيد السعودية ترتيب الأوراق منطقة إلى ترسيخ دورها الإقليمي كمنارة للاستقرار والتقدم الاقتصادي.