شهدت إيران خلال الساعات الماضية موجة واسعة ومتزامنة من الاحتجاجات والتجمعات العمالية والشعبية، شملت قطاع النفط الحيوي، والمتقاعدين، وضحايا عمليات الاحتيال الكبرى، والأهالي الغاضبين من تدمير البيئة.
وتكشف هذه التحركات، التي امتدت من عسلوية جنوباً إلى تبريز شمالاً، عن عمق السخط الشعبي تجاه نظام أدت سياساته الفاسدة إلى انهيار اقتصادي وتدمير ممنهج لحياة المواطنين، لدرجة دفعت أحد المتضررين إلى عرض كليته للبيع في مشهد مأساوي.
إضراب واسع في قلب قطاع النفط والغاز
في تحرك منسق وواسع النطاق، نظم الموظفون الرسميون في صناعة النفط والغاز تجمعات احتجاجية متزامنة في عدة مناطق حيوية واستراتيجية. شملت الاحتجاجات شركة بارس للنفط والغاز في موقعي عسلوية وكنغان، بالإضافة إلى المنصات البحرية الأربعين التابعة لها.
كما انضم إليهم موظفو مجمع بارس الجنوبي للغاز في مصافيه المختلفة، وموظفو منطقة بارس الاقتصادية الخاصة، ومصفاة فجر جم، وشركة النفط القارية في جزيرة لاوان. وطالب المحتجون، الذين يشكلون عصب الاقتصاد الإيراني، بتحسين ظروف عملهم ومعالجة مطالبهم النقابية التي تجاهلتها السلطات طويلاً.

في تبريز، واصل متقاعدو شركة الاتصالات احتجاجاتهم، حيث نظموا تجمعاً أمام مبنى الشركة للمطالبة بحقوقهم المهدورة. وتأتي هذه الوقفة في سياق احتجاجات شبه أسبوعية للمتقاعدين في جميع أنحاء البلاد، الذين قضى التضخم الجامح على رواتبهم التقاعدية وجعل حياتهم شبه مستحيلة.
في محافظة يزد، أقدم أهالي قرية “رباط بشت بادام” على قطع الطريق المؤدي إلى أحد المناجم المحلية. وجاء هذا التحرك الشجاع احتجاجاً على التدمير البيئي الذي يسببه المنجم لمنطقتهم، وعدم وفاء المسؤولين بتعهداتهم بحماية البيئة ومصادر رزق السكان المحليين، في مثال آخر على تغليب مصالح الشركات النهابة على حياة الناس.
في طهران، تجمع ضحايا مشروع “حكيم” السكني الاحتيالي أمام مبنى الادعاء العام، الذي وصفوه بـ”وكر الفساد”. وكشف المحتجون كيف أن أحد المتورطين الرئيسيين في عملية الاحتيال، وهو شخصية ذات نفوذ واسع مرتبطة بأعلى مستويات السلطة، قد استخدم نفوذه داخل القضاء لـ”تجميد” ملف القضية ومنع أي محاكمة عادلة. وتُظهر هذه الوقفة كيف تحول القضاء في ظل نظام الملالي إلى أداة لحماية الفاسدين بدلاً من محاسبتهم

في أشد الصور تعبيراً عن اليأس الذي وصل إليه الشعب، رفع أحد مساهمي مشروع “پدیده شانديز” المنهوبة أموالهم لافتة يعلن فيها عن قراره ببيع كليته. وشرح في لافتته أنه بعد 13 عاماً من فقدان مدخرات حياته بسبب فساد إدارة المشروع، وغرقه في الديون، لم يجد أي مسؤول يستجيب لمعاناته، مما دفعه لهذا الخيار المأساوي لإنقاذ عائلته من الدمار.
الفساد الممنهج هو أصل الأزمات
إن هذه الاحتجاجات المتنوعة ليست أحداثاً معزولة، بل هي أعراض لمرض واحد: نظام ظام فاقد شفافية. فلأكثر من أربعة عقود، أهدر هذا النظام ثروات البلاد الطائلة على تمويل الإرهاب، وبناء أجهزة قمع وحشية مثل حرس النظام الإيراني، وإنفاق مبالغ خيالية على مشاريعه النووية المشبوهة.
والنتيجة اليوم هي بنية تحتية مدمرة غير قادرة على توفير الماء والكهرباء، وفساد مستشرٍ حوّل القضاء إلى أداة لحماية اللصوص، واقتصاد منهار يدفع المواطنين إلى بيع أعضائهم للبقاء على قيد الحياة. إن هذه الاحتجاجات تؤكد أن الشعب الإيراني يدرك جيداً أن الحل لا يكمن في إصلاحات جزئية، بل في انتفاضة تقتلع هذا النظام الفاسد من جذوره.
،