بحوث ودراسات

الشيخ الصابوني.. أربع سنوات على رحيله وبشائر نصرٍ طالما بشّر به

د. محمد بشير حداد

تحلّ اليوم الذكرى السنوية الرابعة وفق التاريخ الميلادي ففي يوم 19/3/2021 رحل العلامة الأستاذ الشيخ محمد علي الصابوني – رحمه الله الى جوار ربه الكريم

–وذكرى هذا العام لوفاته هي الذكرى الأولى بعد سقوط النظام الطائفي الذي أفنى الشيخ حياته رحمه الله في مقاومته، جهرًا وصدقًا وثباتًا.

ولا ريب أن المصاب بفقده عليّ أعمق وأشدّ، فهو ليس مجرد أستاذ وعالم جليل وداعية ملهم، أو شخصية مؤثرة، بل هو بمثابة والدي وهو أستاذي وسندي المعنوي، إذ كنت الأقرب إليه، مستشاره على مدى 44 عامًا، أشاركه الرأي، وأشهد على كل صغيرة وكبيرة في مسيرته، وأرى عن قرب نقاءه وصدقه ونبله، وسعة أفقه، وعدله وإنصافه، وكرمه، وتعبده، وإدارته البارعة للوقت والعلاقات، واعتناءه بالإخلاص، وأخذه بالورع في كل شأن من شؤونه، وصلابته في مواجهة الطغيان، وثباته على الحق مهما كان الثمن حين تخاذل كثيرون؛ هذا شانه على مدى سبعة عقود من حياته المباركة، مع إيمانه العميق بعدالة قضيته، رغم كل التحديات وضراوة المواجهات وشدة الاستحقاقات.

لقد رحل الشيخ الصابوني،

لكن مواقفه باقية في سجل أعلام الأزمان، وعلمه خالد في ميراثه من المؤلفات المباركة النافعة، وكلماته المجلجلة الحكيمة التي طالما ثبّتت قلوب المؤمنين،

 وها هي اليوم تتجلى كحقيقة ساطعة: “النصر قادم لا محالة، والظلم زائل مهما طال أمده.”

لمحات من مسيرة مقاومة الطغيان.. من البداية حتى الرحيل

لم يكن الشيخ الصابوني منذ شبابه الأول عالمًا ينعزل عن الواقع، أو داعيةً يكتفي بالمواعظ في المساجد، بل كان صاحب موقف منذ الخمسينيات، واشتدت مقاومته منذ اللحظة الأولى لانقلاب حزب البعث عام 1963، حيث رفض أن يكون شاهد زور على الديكتاتورية، وشارك في مقاومة الحكم العسكري الطائفي المتعاقب جنبًا إلى جنب مع العلماء الأحرار والشباب المؤمن في سورية.

ومن ذلك:

أنه في عام 1973 رفض دستور حافظ الأسد ووقف مع العلماء الأحرار ضد فرض دستور فردي يفرض بالبطش ويُكرّس الحكم الفردي ويُلغي هوية سورية الإسلامية.

وفي عام 1978دعم انتفاضة مدينة حلب ضد نظام الأسد الأب، وكان من الداعمين للحراك الشعبي، رغم القبضة الأمنية الحديدية والتي انتهت عام 1982 بعد مجزرة مدينة حماة، لفد وقف منذ الايام الأولى مع الناجين والمهجّرين، وساهم في تأمين حياتهم ودعمهم بكل السبل الممكنة.

وفي التسعينيات كان من أوائل المحذّرين من التغلغل الإيراني في سورية، وكشف خطر المشروع الطائفي الذي كان يعمل عليه نظام الأسد.

وفي عام 2011 ومع انطلاق الثورة السورية، لم يتردد لحظة واحدة في إعلان دعمه الكامل لها منذ الساعة الأولى لانطلاقها في درعا؛ بل وهبها كل وقته وجهده وماله، وقال بكل يقين:

 “بشار ساقط لا محالة.. هذا يقيني بالله.”

ولم يكن دعمه مجرد موقف عابر، بل كان حاضرًا في كل ميدان متاح:

ظهر على شاشات الفضائيات ليعطي الثورة شرعية العلماء الكبار.

وقام برحلات دولية لحشد الدعم للثورة السورية والحد من التغلغل الإيراني في دول جنوب شرق آسيا الإسلامية ونجح في ذلك.

كما كتب التعليقات والبيانات والمقالات التي هزّت وجدان السوريين وأيقظت هممهم.

وشارك رحمه الله في المؤتمرات الثورية الداعمة، وكذلك في المهرجانات الثورية، يعلن فيها المواقف الصلبة الواضحة، ويلقي الخطب الحماسية المؤثرة النابضة باليقين والفداء، التي ثبّتت الثوار والشعب السوري في أحلك اللحظات.

ولقد قدّم كل ما يستطيع من الدعم المالي والمعنوي للثورة، وكان بيته مفتوحًا، وماله في خدمة الثورة، كما مواقفه وكلماته سطعت نبراسًا يضيء الطريق لأحرار سورية،

ومن سماته العظيمة أنه دوما يشحذ الهمم ويقدّم الأنموذج، ويأخذ بيد المترددين والخائفين إلى صفوف الثورة باقتناع.

لقد كان حماسه وعطاؤه للثورة كما لو كان شابًا في العقد الثاني من عمره، وهذا وصف صادق لهمّته وحماسه لتحرير سورية من الديكتاتورية والطغيان الطائفي والاحتلالات.

لقد كانت مواقف الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله الإيمانية الثورية ملهمة لأحرار سورية، تجعله في طليعة صفوف قادتها المعنويين الكبار، حيث لم يتخلَّ لحظة عن الثورة وأهلها.

العلم الذي تركه إرثًا للأمة

إلى جانب كونه رجل موقف، كان الأستاذ الشيخ الصابوني رحمه الله عالمًا موسوعيًا، ترك للمكتبة الإسلامية كنوزًا علمية، متميزة راسخة سهّلت فهم القرآن والسنة، ولبت احتياج الشباب ومعظم شرائح الأمة، ومن أبرزها:

صفوة التفاسير

روائع البيان في تفسير آيات الأحكام

التفسير الواضح الميسّر

التبيان في علوم القرآن

إيجاز البيان في سور القرآن

قبس من القرآن الكريم

درة التفاسير

مختصر تفسير الطبري

تحقيق تفسير النحاس

مختصر ابن كثير

تنوير الأذهان مختصر تفسير روح البيان

شروح على صحيحي البخاري ومسلم،

 وتعليقات على كتب السنة.

المواريث

النبوة والأنبياء

من كنوز السنة

تعليقات على رياض الصالحين

وتجاوزت مؤلفاته الخمسين،

وكان له دور بارز في نشر علوم التفسير، سواء في كلية الشريعة بمكة المكرمة، أو في جامعة أم القرى، فضلًا عن إمامته لصلاة التراويح في المسجد الحرام عام 1385هـ وتدريسه لعقود في المسجد الحرام.

عالم تمثّل الحق ولم يساوم.. ولم يبدّل اليوم، وبعد أربع سنوات على رحيله رحمه الله، بحمد الله تحققت بشائره لنا بأن الظلم زائل، وبشار الأسد الذي كان يصفه بـ”مسيلمة الكذاب”، قد سقط كما كان يقول عنه دائمًا.

وبعد تحرير سورية، توجهت إلى قبره زائرًا، ودعوت الله له وترحمت عليه، وقلت له وهتفت:

 يا عماه، والله لقد سقط بشار ونظامه، فأبشرك وأهنئك في برزخك أن الله أشهدنا الآية الكبرى باقتلاع بشار ونظامه من سورية!

والله يا عماه لم يبقَ في سورية بشار ولا أجهزته، الشعب السوري تحرر، المعتقلات فُتحت،

وكلنا غدونا اليوم أحرارًا!

كم كنت أتمنى أن تكون معنا وندخل معك إلى دمشق وحلب ونحتفل مع شعبنا!

ولكن بعون الله، أنت في أطيب مقام في جوار الرحمن.

رحمات ربي على الأستاذ الشيخ محمد علي الصابوني، وأسأل الله أن ينور ضريحه، ويسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والربانيين والمهاجرين والصالحين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights