الصحفي أحمد منصور يقول : العنصريون يدمرون ما بناه أردوغان..!
د. ياسر عبد التواب يكتب :
في تغريدة له منشورة على صفحته على تويتر يكتب الصحفي والإعلامي الشهير أحمد منصور : اذا لم يتدخل الرئيس رجب الطيب اردوغان بشكل عاجل لوقف حملات العنصرية المنظمة والمتصاعدة ضد العرب في تركيا بشكل عام والسوريين بشكل خاص فإن العنصريين الأتراك وسلوك رجال الشرطة العدواني تجاه السوريين و السياح العرب حتى في المطارات سيدمر ما بناه أردوغان وحزبه من احترام وتقدير للعرب طيلة 20 عاما.
ونقول :
ما كتبه الأستاذ أحمد منصور وكتبه غيره يعكس أزمة تعانيها حاليا الدولة التركية بكافة أطرافها بعد حلم جميل صاغته الجملة التي دغدغت مشاعر المخلصين ( المهاجرون والأنصار ) فيما كان يتم الترحيب بالاجئين حقا من مجموعات كثيرة من المجتمع ومع بركة يراها كل مؤمن من نواتج تلك النصرة وأنهم يرزقون بضعفائهم.
وبغض النظر عن الحلم فإن في الواقع وبنظري يتم تكريس الأزمة تلك بشكل ممنهج وبعضه بتغاض من الحكومة لكون هناك مواءمات مع القوميين وغيرهم وبعضه كذلك رغما عنها بسبب تعنت متعمد أو جهل بالقوانين أو عنصرية وتعال واستغلال للأمور لصالح جهات معينة داخلية وخارجية.
وامتدادا لحملات عزفت فيها المعارضة على هذا الوتر ولا تزال تعزف عليها ألحانها الشاذة وفقا للمثل العامي ( العيار اللي ما يصيبش يدوش ) أي ما دام الرصاص لم يصب سيسبب ارباكا على الأقل.
والحكومة تعلن بأن المطلوب هو التخلص من الذين تسللوا إلى الدولة بطرق غير شرعية أو الذين يقيمون بشكل غير نظامي.
كما أنه سبق التعهد إبان الانتخابات بالعمل على العودة التطوعية غير القسرية إلى الشمال السوري بعد تجهيز بيوت مبنية لاستقبال العائدين من المهجرين
إذن من يقيم بشكل طبيعي ولو عنده مخالفة بسيطة فهؤلاء لن يتم التعامل معهم في هذه الحملة.
لكن هل هذا ما يحدث فعلا ؟ أو أن كثيرين يرغمون قسرا على المغادرة او العودة ؟ ويرغمون على التوقيع على العودة طوعا؟
وزير الداخلية ووالي إسطنبول ( المعادل لمدير الأمن في البلدان الأخرى ) اعترفا في لقاء مع بعض ممثلي الجاليات العربية بأن بعض من يقوم بالتعامل مع الجمهور من الشرطة وموظفي الأمن في الحملة قد حدثت منهم أخطاء وتعاملوا بشكل يخلط المخالف بغير المخالف وبما أحدث بلبلة وتسبب في تفرقة أسر وهدم كيانات وتجارات وما يشبه مما هو متوقع
الموظفون – باعترافهم – لم يكونوا يعرفون بشكل محترف ما هي أنواع الإقامات التي تمنحها الدولة وما يسمى بالحماية المؤقتة والتي تمنح حاليا للسوريين ضمن اتفاق دولي تستفيد تركيا بسببه منحا من الاتحاد الأوروبي نظير الاستضافة المؤقتة لتلك المجموعات وضمن شروط لمصلحة الممنوح لها وشروط أشهرها عدم مغادرته مدينة إقامته إلا بإذن
والأنواع الأخرى من الإقامات هي : الإقامات السياحية والتي بالأساس يستفيد منها من يرغب بالإقامة من المهجرين غير السوريين وإقامات العمل للذين على رؤوس أعمال ووظائف تمنحهم هذه الإقامات
وهناك إقامات دائمة غير مرتبطة بزمن أي لا تجدد وهي المرحلة الأقرب لمنح الجنسية والإقامات الإنسانية والتي تمنح لمن لديه مشاكل إنسانية أو سياسية وتشبه اللجوء.
وهناك إقامة الطالب وإقامة للعلاج، وما عدا الإقامة الدائمة فكل نوع آخر يحتاج لتجديد غالبا يكون سنويا لكن هناك أحيانا يحدث فرق بين انتهاء الإقامة وتجديدها ؛ فيعطى صاحب المعاملة ما يفيد أنها تحت الإجراء أو قد يتم رفضها لأي سبب فيلجأ للقضاء ليعيد النظر في الرفض وهذا حق يمنحه القانون
ها أنا ذا ذكرت تلك الإقامات وأنواعها ومشاكلها فهل كان يعجز الموظفين أن يمرر عليهم ورقة بها هذا التوصيف ومبينا فيها كيف هي المعاملة لكل حالة في حال المخالفة ؟
فاعتراف الوالي بهذا القصور في موظفيه والتعهد بعلاجه معناه أن ثمت مخالفات تمت وستتم بسبب هذا الجهل وهو أقل احتمال إن جنبنا أي تعمد في التعامل وتعهده بمعالجة هذا القصور لا ينفي خطأ عدم تجهيزه للحملة بشكل صحيح ولا أنه يجب النظر فيما تم لإعادة الأمور لنصابها
ونرجع إلى تعليق أحمد منصور في أنه حمل أردوغان المسؤولية وبأن هذا سينعكس على ما بناه منذ عشرين عاما من صورة ذهنية لدى المسلمين جعلته كبطل إسلامي يجب نصرته وأثارت تعاطف الجميع معه حتى كانوا يلهجون له بالدعاء لينجح ويحرم علماؤهم التصويت ضده
ثم فوجئ الجميع بعد نجاحه بهذا الذي يحدث بدلا من توقع مزيد من الحرية والتيسير فانعكس ذلك على صورته لديهم وخاصة أن (السوشيال ميديا) حملت ممارسات واضحة من القبض بعنف والضرب وعدم ترك فرصة لمن لا يحمل أوراقا
ومع عدم قدرة الموظفين على التكلم بلغات أخرى فإنهم القوا القبض على بعض السياح كذلك الذين لا علاقة لهم بالأمر كله والذين هم مصدر أساسي من دخل السياحة ولا علاقة لهم بالأمر لكنهم يتكلمون العربية مثلا أو ملابسهم ووجوههم غير مألوفة كالأفارقة ومن يشبههم
ونقلت شهادات سوريين ممن حدث بحقهم ترحيلا جبريا وليس طوعيا – كما تعهد الوزير- وأجبروا على التوقيع على أنهم رحلوا طوعا وحتى النساء والأطفال تم ترحيلهم رغم أن القوانين تمنع تفريق الأسر بل القوانين المتعلقة بالهجرة في كل البلدان المحترمة تأمر بلم شمل الأسر
وحكى لي شهود عيان أن امرأة اختفت من الشارع انقطع خلالها الاتصال بها لمدة أربعة أيام ثم أخيرا اتصلت بزوجها في إسطنبول تخبره أنها الآن في (إدلب) بعدما رحلت مباشرة لعدم حملها الإقامة
ومثلها شاب خرج قريبا من بيته يشتري فطورا وليس معه أوراقه فسئل عن اقامته فقال هي بالبيت سأحضرها
قيل لا داعي… ثم اتصل بعده بأسرته من إعزاز في سوريا ليقول رحلت
هناك شخص أعرفه مصري رفضت إقامته فرفع قضية كما المعتاد وهل رفع القضية وحمل ما يفيد لا يعد مبررا لانتظار النتيجة أم هو جرم آخر ؟
تم ترحيله حاليا لأنقره ولا يدري ما يفعل به وربما يرحل لبلد آخر
وهو مثال آخر موجود حين يربط منح الإقامات لمن لديهم جوازات سارية ومن ثم من تمتنع سفاراتهم عن منحهم الجوازات غالبا يجلسون مخالفين وقد كان الحل سابقا في الإقامات الإنسانية لكنها موقوفة حاليا حتى عن الأطفال!
وطلاب كثيرون يحملون إقامة رسمية إما تحت التجديد أو من مدينة أخرى تم القبض عليهم وبعضهم في السجن إلى الآن وواحد أخلي سبيل بعد 21 يوما من الاحتجاز والترحيل إلى مركز على حدود جورجيا
إن قارنا هذه الأحوال بما هو أدهى منها في الدول القمعية فإنها هينة بالطبع لكن إن احتكمنا للقوانين ولما أبدته تركيا من حفاوة وترحيب فإنها أخطاء يجب تصحيحها ومعاقبة المتسبب فيها ونقول هذا نصحا لتركيا ولقيادتها التي تحملت الكثير من أجل نصرة إخوانهم والمستضعفين
وهذا ما يرصده أيضا كثيرون غيرنا :
يقول عبر تويتر الدكتور سعيد الحاج، طبيب وكاتب فلسطيني باحث في الشؤون التركية:
في تركيا.. أخبار متواترة وبشكل شبه يومي عن ممارسات تجاه السوريين والأجانب ومنهم السياح بشكل يتجاوز كل منطق وقانون وعقل، ضمن ما يفترض انه “مكافحة الهجرة غير الشرعية”.
بعيداً حتى عن المنطق الانساني والاخلاقي والقانوني، ما يحصل يسيء لتركيا ويضر سمعتها وسياحتها
رسالة للعقلاء للتحرك..!
**
وفي مقالة كتبها كاتب تركي اسمه إسماعيل ياشا بتاريخ 19/7/2023 م في جريدة عربي 21 يقول الأستاذ :لماذا فشلت تركيا في مكافحة العنصرية؟
فيرصد فيها العنصرية الداخلية لبعض المنتمين للأفكار القومية حتى ضد أبناء بلدهم وأنهم ينظرون إليهم بتعال فكيف بالمغتربين ؟
يكتب فيقول :
هذا النجاح الكبير لم يقابله، للأسف الشديد، نجاح أمني في مكافحة الحملات التي تستهدف اللاجئين السوريين والأفغان، وتقف وراءها أجهزة استخبارات أجنبية تسعى إلى تأجيج مشاعر العنصرية وتحريض الشارع ضد الحكومة، من خلال نشر الإشاعات والأنباء الكاذبة، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام التقليدية. ومن المؤكد أن تلك الحملات يمكن تصنيفها تحت عنوان الحروب الباردة والاستخباراتية.
الحكومة التركية حاولت حل المشكلة وقدمت خطوات إيجابية وتبنت مواقف مشرفة لصالح اللاجئين؛ إلا أنها في المحصلة لم تنجح في اختبار مكافحة العنصرية، بل استسلمت في كثير من الأحيان لحملات التحريض أو ظلت أمامها عاجزة، مكتفية بنفي الإشاعات
الجهات التي تتبنى التحريض ضد اللاجئين في تركيا لأسباب سياسية أو طائفية هي الجهات التي ما زالت تملك ثقلا أكبر بكثير من حجمها، كما أنها مدعومة من الخارج، الأمر الذي يدفع الحكومة التركية إلى التردد في ضربها بيد من حديد، كما أن معظم المؤيدين لأردوغان ما زالوا ينتمون إلى طبقة دون طبقة هؤلاء الذين يؤيدون حزب الشعب الجمهوري المعارض ويرون أنفسهم “أصحاب البلاد”. وإضافة إلى ذلك، لا تنبع معاداة تلك الجهات للاجئين غالبا من القومية، بل من الطائفية ومعاداة الإسلام التي تتسابق مع نظيراتها في الدول الأوروبية وتتخذ من القومية قناعا لها. ولا يمكن مكافحة العنصرية في تركيا ومعالجة آثارها السلبية دون الاعتراف بهذه الحقيقة.
ويضيف : الحكومة التركية قد لا ترى في تلك الحملات خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي، أو تتساهل معها لأن من يقومون بها “مواطنون أتراك من الدرجة الأولى”، إلا أن اللاجئين المساكين، هم من يدفعون ثمن الفشل في مكافحة العنصرية، ويتم ترحيلهم نتيجة خطأ بسيط يرتكبونه أو حتى بدون أي خطأ، كما أن تحول مشروع “العودة بشكل طوعي” إلى “عمليات ترحيل قسري” ما هو إلا إحدى نتائج حملات التحريض ضد اللاجئين، وانحراف عن مبادئ “الأخوة” و”الأنصار والمهاجرين”، ورفع الراية البيضاء أمام العنصريين.
**
علما بأن أكثر المغتربين بل جلهم يقيمون أود أنفسهم وينعشون الاقتصاد بإنفاقهم أو بعمالتهم بما سبب بلبلة في الأسواق بسبب هذا الخلل وخاصة في مجالات العمالة والزراعة وأسواق العقارات
**
العجيب أن الانعكاس على الاقتصاد التركي جاء واضحا وسريعا نوعا ما ففي قطاع مثل قطاع الإسكان الذي هو من اكبر القطاعات الاقتصادية التي تفيد بشكل كبير من مشتريات الأجانب ف‘نه انحدر إلى ثلث مثيله من نفس التوقيت
وهذا ما رصدته مؤسسة الإحصاء التركية: انخفاض شراء الأجانب للعقارات هذا الشهر 69% مقارنة بالعام الماضي.
ولك ان تتخيل انه في خلال سنة واحدة يخسر قطاع غني وكبير كل هذا الحجم من الاقتصاد
ومن اللافت أنه في قطاع الأعمال بدأت كثير من المصانع من الشكوى من قلة الأيدي العاملة بعد الترحيل وبعد عزوف العمال عن الذهاب لأعمالهم
أن كثير من أرباب الأعمال يشتكون من نضوب أو قلة الأيدي العاملة التي كان الغرباء يسدون لهم تلك الثغرات كالأيدي العاملة وبينما يرفض الأتراك امتهان تلك المهن لوجود غيرها أيسر وأربح
وهذا أحد الأخبار المنشورة :
رئيس غرفة سائقي الحافلات في ولاية أنطاليا يشكو من عدم العثور على سائقين للعمل على أكثر من 140 حافلة نقل بالرغم من دفع راتب 24 الف ليرة تركية شهريا.
وهذا أيضا :
عن هيئة الإحصاء التركية:
– انخفض عدد المهاجرين إلى تركيا خلال عام 2022 بنسبة 33,2% مقارنة بعام 2021، حيث بلغ عدد المهاجرين 494 ألفا 52 مهاجرا.
– وفي نفس الوقت صارت تركيا طاردة للمهاجرين ويرصد قرير هيئة الإحصاء هذا فيقول : ارتفاع عدد المهاجرين من تركيا إلى الخارج خلال عام 2022 بنسبة 62,3% مقارنة بعام 2021، حيث بلغ عدد المهاجرين من تركيا للخارج 466 ألفا 914 مهاجرا.
فهي مشكلة بدأت بالفعل في الإنعكاس على واقع الاقتصاد كما انعكست على الواقع السياسي والاجتماعي والفكري
فهل ستسمح الحكومة الحالية للمتعصبين والعنصريين والمتآمرين بزعزعة تلك الملفات المهمة وبخرق المبادئ والمصالح التي يحرصون عليها طيلة سني حكمهم
تحد جديد نأمل أن تنجح فيه الدولة التركية وأن تحفظ مبادئها ومصالحها في آن معا.