يشهد العالم في العقود الأخيرة بروز ظاهرة المسلمين الجدد، حيث يعتنق أشخاص من خلفيات ثقافية ودينية متنوعة الإسلام في مناطق متفرقة من الغرب والشرق.
ورغم أن الأرقام الدقيقة تختلف من بلد لآخر، فإن الدراسات تشير إلى أن هذه الظاهرة، وإن كانت محدودة من حيث الحجم مقارنة بالنمو الطبيعي للسكان المسلمين، تحمل أبعادًا اجتماعية وثقافية وروحية لافتة، تعكس تفاعل الأديان والثقافات في عصر العولمة، وتفتح نقاشًا واسعًا حول الهوية والانتماء والتعددية الدينية.
تشير أبحاث مركز بيو للأبحاث إلى أن الإسلام كان الدين الأسرع نموًا عالميًا بين 2010 و2020، إلا أن هذا النمو يعود في المقام الأول لعوامل ديموغرافية مثل ارتفاع معدلات المواليد وانخفاض متوسط الأعمار، لا إلى موجات واسعة من الدخول في الإسلام.
ويؤكد خبراء علم الاجتماع الديني أن كثيرًا من التصورات العامة تخلط بين النمو الطبيعي وعدد الداخلين الجدد، وهو ما يستدعي قراءة أكثر دقة للأرقام، بحسب مركز بيو للأبحاث – 2025.
الولايات المتحدة: توازن بين الداخلين والخارجين
في الولايات المتحدة، أظهرت بيانات “مشهد الدين الأمريكي” لعام 2014 أن 23% من المسلمين الحاليين هم من الداخلين الجدد، وفي الوقت نفسه ترك الإسلام النسبة نفسها تقريبًا ممن تربوا عليه.
ويرى باحثون في الشؤون الدينية أن هذا التوازن يجعل أثر التحوّل محدودًا في زيادة عدد المسلمين، بينما يبقى دور الهجرة والمواليد هو الأهم، وفق مركز بيو للأبحاث – 2017.
بريطانيا: تقديرات بعشرات الآلاف
في المملكة المتحدة، قدّر تقرير “Faith Matters” أن عدد المسلمين الجدد بلغ نحو 100 ألف شخص عام 2011، بينهم حوالي 5,000 حالة اعتناق في عام واحد. ويشير محللون إلى أن هذه الأرقام تمثل حضورًا لافتًا، لكنها ليست كبيرة مقارنة بعدد السكان الكلي،
كما أن الاعتماد على مسوح المساجد قد يعني عدم شمول جميع الحالات. بعض المراقبين اعتبروا أن الأرقام قد تكون أقل من الواقع أو مبالغًا فيها تبعًا للمنهجية المستخدمة.بحسب تقرير Faith Matters – 2011.
فرنسا وألمانيا: غياب الأرقام الرسمية
في فرنسا، لا تُجمع بيانات رسمية عن الانتماء الديني، مما يجعل تقدير عدد الداخلين للإسلام يعتمد على الدراسات النوعية. وتوضح الباحثة جولييت جالونييه أن اعتناق الإسلام بين الفرنسيين البيض غالبًا ما يرتبط بالبحث الروحي والاحتكاك الثقافي،
لكنه يثير تحديات تتعلق بالهوية والانتماء الاجتماعي. أما في ألمانيا، فتركز التقارير على الاندماج والتعليم الديني أكثر من قياس التحوّل العددي، وهو ما يجعل الأرقام الدقيقة غائبة.وفق أبحاث جولييت جالونييه – تقارير المعهد الفدرالي للهجرة.
اليابان: نمو بطيء لكن مؤثر
تقديرات البروفيسور هيروفومي تانادا تشير إلى أن عدد المسلمين في اليابان بلغ حوالي 230 ألف شخص عام 2020، بينهم 47 ألف مواطن ياباني.
ويأتي معظم هؤلاء عبر الزواج المختلط أو الاهتمام الثقافي بالإسلام. ويرى خبراء في شؤون الأديان الآسيوية أن هذا الحضور، رغم صغره، يعكس انفتاحًا تدريجيًا في مجتمع لم يعرف الإسلام تاريخيًا بشكل واسع.
كما تضاعف عدد المساجد خلال العقدين الأخيرين، مما ساعد على تعزيز حضور المسلمين الجدد، بحسب هيروفومي تانادا – جامعة واسيدا 2021
دوافع الدخول في الإسلام
تشير الدراسات إلى ثلاثة دوافع أساسية: البحث عن معنى روحي واضح يربط الحياة بالقيم، العلاقات الاجتماعية مثل الزواج والصداقة الوثيقة مع مسلمين، وأخيرًا البيئة المؤسسية التي توفرها المساجد والدعوة الرقمية.
ويرى علماء النفس الديني أن هذه العوامل تتداخل مع تجارب شخصية معقدة تجعل من كل قصة دخول إلى الإسلام فريدة، وفق أبحاث جولييت جالونييه – Faith Matters – تانادا.
التحديات بعد الاعتناق
بعد النطق بالشهادة، يواجه الداخلون الجدد سلسلة تحديات، منها إعادة تشكيل الهوية في محيطهم الاجتماعي، والتكيف مع القيم والممارسات الجديدة، والحاجة إلى دعم مجتمعي مستمر.
ويحذر مختصون في قضايا الاندماج من أن غياب هذا الدعم قد يؤدي إلى عزلة أو فتور في الالتزام الديني مع مرور الوقت، بحسب جولييت جالونييه – Faith Matters.
رغم أن أعداد المسلمين الجدد تظل محدودة مقارنة بالنمو الديموغرافي والهجرة، إلا أن تأثيرهم الثقافي والاجتماعي واضح في المجتمعات غير المسلمة تقليديًا.
ويؤكد باحثون أن فهم هذه الظاهرة يتطلب بيانات أكثر دقة ودراسات معمقة تدمج الأبعاد الروحية والاجتماعية للتحوّل وفق مركز بيو للأبحاث – تقارير أكاديمية متعددة.