مقالات

النظام الإقليمي العربي.. عفوا نفذ رصيدكم وجاري إلغاء السيستم

بقلم: عبد المنعم منيب

13 شهرا بل أكثر ومازلت الإبادة الجماعية للشعب العربي في فلسطين في غزة والضفة الغربية والقدس مستمرة، بل وامتدت إلى الشعب العربي في لبنان واليمن، وعما قريب قد تمتد إلى الشعب المسلم في إيران، وربما أجزاء من سوريا وتركيا، وهذه الإبادة ينفذها الكيان الصهيوني إسرائيل ومرتزقة تابعين له بدعم كامل سري وعلني من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرهم، ورغم ذلك كله ما زالت الأنظمة العربية و الإسلامية الوظيفية، والحركات المجتمعية الموالية والمعارضة تسلك نفس المسالك الوظيفية التي يسلكها الحكام، فلا واحد منهم يقدم شربة ماء أو قرص دواء أو رغيف خبز للعرب والمسلمين المستهدفين بالإبادة إلا ما تأذن لهم به الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفهما المشئوم (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، وفي نفس الوقت لا أحد من الأنساق العربية والإسلامية هذه يمنع عن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفهما المشئوم شربة ماء أو حبة دواء أو ذرة نفط أو غاز أو رغيف خبز أو تسهيلات خدمية جوية وبرية وبحرية أو حتى سنت واحد.

ودعونا نفصل الأدوات العملية للعمل السياسي حتى لا يظن أحد أننا نظلم أحدا بهذا التقييم المعتم، فأدوات السياسة التي أجمع عليها علماء السياسة المعاصرون وأكدوا على وجوب تكاملها معا هي:

(*) أداة الدبلوماسية والتفاوض بما في ذلك الدبلوماسية الشعبية والالكترونية ويشمل أيضا التحالفات والمقاطعة الدبلوماسية.

(*) الأداة العسكرية.

(*) الأداة الاقتصادية.

(*) أداة الاعلام.

فهل ترون احدا -في العالم العربي والإسلامي بل في العالم كله- يستخدم أي أداة منها ضد التحالف الصهيوصليبي المهيمن على العالم مقابل إيغاله في دماء العرب والمسلمين؟؟

هل ترون أنا أيا من قرارات قمة جامعة الدول العربية أو الإسلامية (الأخيرة أو الأولى) تستخدم أيا من هذه الأدوات استخدما حقيقيا؟؟

لا قرار اقتصادي حقيقي واحد ضد مرتكبي ومساندي إبادة العرب والمسلمين.

ولا قرار اقتصادي حقيقي «نافذ» واحد يساند فلسطين أو لبنان أو اليمن.

ولا قرار عسكري واحد لا في اتجاه الضغط على العدو، ولا في اتجاه دعم الشقيق، وكأن الـ57 دولة إسلامية ليس لدى أي منها جيش، وكأن الكيان الصهيوني الذي قوامه 6 مليون شخص (بما فيهم النساء والأطفال) ويخوض الحروب على أربع جبهات في آن واحد هو أقدر عسكريا من الدول الإسلامية التي تملك أكثر من مليار ونصف مواطن ونحو 8 مليون مقاتل هم مجموع تعداد جيوشها، إنه أمر بلا أي معنى، إنه أمر عبثي للغاية.

ثم إن استخدام الأداة العسكرية ليس قاصرا على الحرب بل ممكن التهديد بها صراحة، وممكن الحشد وفتح القوات فقط دون حرب للتهديد والوصول لحافة الهاوية وتشتيت قوى العدو والتشويش عليه، ويمكن أيضا تزويد أعداء العدو بالسلاح سرا أو جهرا للضغط على العدو بشكل غير مباشر (إيران فقط هي من تعمل هذا تجاه حزب الله).

ونفس النمط السلبي هو ما يشمل الأداة الدبلوماسية فأغلب الدول الإسلامية عامرة بممثليات دبلوماسية واقتصادية للدول المعتدية بدءا من ممثليات الكيان الصهيوني إسرائيل ومرورا بالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، بينما نجد دولا في قارة أمريكا اللاتينية قطعت علاقاتها الدبلوماسية بالكيان الصهيوني رغم أنها لا عربية ولا مسلمة ولا حتى جارة، وحتى قضية الجنائية الدولية ضد الكيان الصهيوني لم يحركها أصلا سوى دولة جنوب افريقيا وهي لا عربية ولا مسلمة ولا جارة.

فالنظام الإقليمي العربي وكذا دول منظمة التعاون الإسلامي (OIC) لم تتخذ إي إجراء دبلوماسي أو سياسي حقيقي وعملي ذا بال ضد الإبادة الجماعية الجارية منذ أكثر من عام في فلسطين (خاصة في غزة) وفي لبنان.

وحتى الأداة الإعلامية ليست عاملة بشكل شامل ومتكامل، إذ هناك العديد من الأجهزة والكيانات العربية الإعلامية لا تتقاعس عن التصدي للعدوان الصهيوصليبي فقط، بل إن كثيرا منها منحاز للمنظومة الصهيوصليبية بشكل تام وبمباركة من الأنظمة والأنساق التي تمولها وتتسيد عليها وترعاها.

لا يهدف هذا التحليل إلى تفسير سبب هذا العجز والفشل العربي الإسلامي في مواجهة العدوان الصهيوصليبي، لأن هذا الأمر يسهل تفسيره بكلمة واحدة وهي “التبعية” تبعية سياسية واقتصادية وثقافية للمنظومة الصهيوصليبية المهيمنة على معظم دول العالم.

لكن ما يهمنا في هذا التحليل هو الإشارة إلى مآل ومستقبل النظام الإقليمي العربي والإسلامي وهو أن سنة الاستبدال جارية له، وقد يسهل على كل منا ترديد قوله سبحانه وتعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}

(سورة محمد من الآية 38)،

وقول الله عز وجل: {إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا}

 (سورة التوبة من الآية 39)،

وغير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ولكن سينبري بعض المتعالمين ليقولوا هذه شعارات إسلامية وكذا.. الخ، وفضح حقيقية هؤلاء وانتماءاتهم الموالية لأمريكا وإسرائيل ليست موضوعنا الآن، وانما علم السياسة المعاصر وقوانينه التي لا مراء فيها تثبت أن أنساق امتنا العربية والإسلامية (حكومة ومعارضة) هي الآن في مرحلة انتقالية إلى مرحلة الاستبدال، أتدرون لماذا؟؟

 لأن كل منظومة محلية أو إقليمية أو كونية (سواء حكومية أو غير حكومية) هي نسق متكامل او نظام (system) له مدخلات مكونة من مطالب و تحديات وضغوط، ويجب عليه كي يستمر في الوجود والقيام بوظيفته أن يستجيب لهذه المدخلات بالتفاعل معها تفاعلا مناسبا، ومن ثم تصدر عنه مخرجات تمثل هذه الاستجابة، وأي نسق أو system يعجز عن الاستجابة أو يقدم استجابة خاطئة أو غير مناسبة ويصير هذا العجز والخطأ سجية له فإنه يفقد مبرر وجوده ويزول، ليحل محله نسق جديد قادر على القيام بالوظائف المنوطة به، وهي الاستجابة للمدخلات بتوليد مخرجات مناسبة تستجيب استجابة صحيحة لكل المطالب والضغوط والتحديات.

وسواء تبنيت الآيات القرآنية أو تبنيت التحليل السياسي المعاصر فالنتيجة واحدة:

«لقد عجزوا جميعا عن أي استجابة مناسبة مما أفقدهم مبرر وجودهم ومهد لزوالهم ووضعهم في متاحف التاريخ».

أما القادم الجديد فنأمل أن يتعلم من العجز الراهن أن عليه التحلي بروح الفعل المبادر والجهاد والمقاومة من أجل التخلص من التبعية للقوى الإمبريالية المهيمنة على العالم.

عبد المنعم منيب

‏كاتب إسلامي وباحث سياسي‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى