الأثنين مايو 20, 2024
بحوث ودراسات

الهيثم زعفان يكتب: إدارة المشروعات في المؤسسات الخيرية

المشروعات الخيرية هي عماد المؤسسات الخيرية؛ فهي التي تحدث التواجد للمؤسسات الخيرية داخل المجتمعات. وبقدر فعالية المشروع الخيري وإشباعه لحاجات المجتمع الفعلية تكون أهمية المؤسسة الخيرية، وديمومة المؤسسة الخيرية مرهون باستمرار برامجها ومشروعاتها الهادفة والناجحة.

وإدارة المشروعات الخيرية تحتاج إلى قواعد وأسس علمية على دربها تسير المؤسسة الخيرية، فالتخطيط المدروس والإدارة الفعالة للمشروعات الخيرية يساعد في تحقيق أهداف المؤسسة في أقصر مدة وبأقل جهد وأوفر نفقة وأثمر عائد، إذا ما قورن بالتحرك العفوي غير المدروس للمشروعات الخيرية، والذي قد يحرم المؤسسة الخيرية من التحقيق الأمثل لأهداف المشروعات المتقاطعة مع أهدافها.

وبدورنا سنحاول إلقاء الضوء على بعض النقاط المنهجية والتي قد تعين المؤسسات الخيرية في إدارتها لمشروعاتها الخيرية.

أولاً.. ضرورة وجود جهة مختصة بإدارة لمشروعات داخل المؤسسات الخيرية:

من أساسيات الإدارة الفنية للمشروعات داخل المؤسسات الخيرية أن تكون هناك لجنة أو إدارة خاصة لإدارة المشروعات داخل المؤسسات، وأن يتم اختيار أعضائها على أسس وقواعد علمية متكاملة؛ تجتمع فيها المعرفة بالأساليب الفنية للتخطيط والإدارة الحديثة بجانب الرسالة الخيرية التي يحملها العاملون في القطاع الخيري. على أن يتم الدعم التطويري لمنتسبي تلك الإدارة بصفة دورية منتظمة، مع التشديد على أن يكون لهذه الإدارة نوعاً مرناً من الاستقلالية بعيداً عن المركزية المؤسسية المعيقة أحياناً للتحركات العملية.

ثانياً.. المؤسسات الخيرية بين أزمة الأفكار واستحداث المشروعات:

المراقب والدارس للعمل الخيري في عالمنا الإسلامي يلمس معاناة المؤسسات الخيرية لما يمكن أن نطلق عليه ” أزمة الأفكار الخيرية”، وهي أزمة عامة في شتى المجالات وليست مقتصرة على العمل الخيري فقط، وذلك لأن قوامها العقل الإبداعي التجديدي وهو عملة نادرة في كل الأزمان، لذا فمن الأهمية بمكان للمؤسسات الخيرية الباحثة عن التميز والتجديد أن تبحث عن العقل الإبداعي الخيري وتتبناه وترعاه؛ وأن تتعاون معه أو تضمه لفريق العمل المعني بالمشروعات الخيرية فور الوصول إليه، فهذا العقل هو “المهندس الابتكاري للمشروعات الخيرية”، وبدونه ستختزل المشروعات الخيرية ويبتر تشعبها.

وهذه الشخصية إن نجحت المؤسسة الخيرية في الوصول إليها؛ فينبغي حينها معاملتها معاملة خاصة، وذلك حتى لا تنشغل بأية أمور إدارية أو فرعية داخل المؤسسة أو خارجها قد يظن معها أنها ستفسد عليها عملها الإبداعي.

والوصول لمثل هذه الشخصية الابتكارية يستلزم مجهوداً مكثفاً من قبل المؤسسات الخيرية للبحث عنه، وذلك عبر المراجعة الدقيقة للمراكز والمؤسسات العلمية المتخصصة في العمل الخيري ومتابعة إنتاج المهتمين بالعمل الخيري، وكذلك متابعة تجمعات رعاية الموهوبين من جمعيات للموهوبين أو مسابقات للمبدعين، أو غير ذلك من تجمعات علمية أو خيرية يسمح مناخها بظهور العقليات الإبداعية المتفردة في الحقل الخيري. وفي حالة انتساب هذه الشخصية بالمؤسسة الخيرية أو التعاون الابتكاري معها تلحق بها لجنة من منسوبي المؤسسة لتطوير الأفكار المبتكرة؛ تكون مهمتها عقد السيمنارات وورش العمل -وبالاستعانة بالخبراء المعنيين- وذلك من أجل مناقشة وتطوير وبلورة الأفكار الخيرية التي تبتكرها هذه الشخصية الإبداعية.

ثالثاً.. تكوين قاعدة بيانات للمشروعات الخيرية:

تكوين قاعدة بيانات للمشروعات الخيرية يمكن المؤسسة الخيرية من الوقوف على غالبية المشروعات الخيرية التي أجريت على أرض الواقع، ومن ثم تتكون لديها رؤية شاملة للمشروعات تسمح باختيار المناسب لها من بينها.

وقاعدة البيانات تلك تستلزم لتكوينها وجود مجموعة من الباحثين المحترفين والمتخصصين في العمل الخيري، ولديهم القدرة على التعامل مع المراجع والمصادر البحثية الموثقة لتجارب ومشروعات المؤسسات الخيرية، وكذا القدرة على المسح الشامل لمشروعات المؤسسات الخيرية من خلال مواقعها على شبكة الإنترنت، أو التقارير السنوية للمؤسسات الخيرية والموجودة بالمؤسسات الخيرية أو لدى الجهات الحكومية المنوط بها الإشراف على تلك المؤسسات.

ليتم بعد ذلك تصنيف وتبويب وجدولة المشروعات بصورة تيسر استيعاب المشروعات الخيرية والاستفادة منها في بناء أو تطوير خطوط إنتاج مشروعات المؤسسة الخيرية.

وحبذا لو ذكر الفريق البحثي المكلف الملاحظات على المشروعات الخيرية وتدوين الإيجابيات والسلبيات التي صاحبت التطبيقات العملية لها ووثقتها الأدبيات الراصدة أو تقارير المؤسسات.

رابعاً.. المسابقات كآلية للحصول على المشروعات الخيرية المبتكرة:

تُعد المسابقات وسيلة فعالة في استشراف إبداعات وابتكارات العالم الإسلامي، والحصول على أفكار إبداعية لمشروعات خيرية من قبل المسلمين.

وهذه المسابقات يمكن طرحها في وسائل الإعلام المختلفة، على أن تكون مصحوبة بجوائز مالية تحفيزية تشجع الجماهير على طرح إبداعاتها.

وكما أن وسيلة المسابقات تعين كثيراً في توفير قاعدة ممتدة من أفكار ومكونات المشروعات الخيرية، فإنها كذلك قد تؤدي إلى اكتشاف مجموعة من المبدعين المنتجين، والذين قد يفيدون المؤسسة الخيرية بصفة دائمة.

خامساً.. استطلاع آراء مجتمع المستفيدين من خدمات المؤسسة في المشروعات التي يحتاجونها:

وهنا يتم استطلاع آراء المستفيدين من خدمات المؤسسة في المشروعات الخيرية التي يرون أنهم بحاجة إليها.

وفي ذلك مشاركة للمجتمع المحيط بالمؤسسة الخيرية في صنع السياسات داخل المؤسسة؛ مما يعزز مبدأ الشورى وينمي الإحساس بالمسئولية لدى أبناء المنطقة المحيطة بالمؤسسة الخيرية، وكذا تكون المشروعات المقترحة نابعة من الاحتياجات الفعلية لمجتمع المؤسسة. وفي ذلك ترتيب لأولويات المشروعات من خلال رؤى عينة عشوائية من المستفيدين من خدمات المؤسسة الخيرية.

وهناك وسائل عديدة لإجراء هذه الاستطلاعات والتي منها على سبيل المثال (عمل مسوح استقصائية بواسطة استمارات الاستبيان – الأسئلة الاستقصائية على المواقع الإلكترونية للمؤسسات الخيرية- إجراء المقابلات مع بعض قادة الرأي في المجتمع المحيط بالمؤسسة الخيرية- عمل اللقاءات المفتوحة داخل المؤسسة لمناقشة المقترحات وإجراء العصف الذهني الجماهيري حولها- وغير ذلك من الوسائل الاستقصائية).

سادساً.. التخطيط وعمل دراسة جدوى المشروع الخيري:

ينبغي للمؤسسات الخيرية أن تقوم بالتخطيط وعمل دراسات الجدوى الشاملة للمشروعات الخيرية.

ويراعى في ذلك الاجتهاد في تحديد الكلفة الفعلية الإجمالية للمشروع الخيري، وذلك من خلال مشروع ميزانية مقترح شامل نفقات المشروع وأجور القائمين عليه، وهامش احتياطي للمستجدات.

وكذلك طرائق تنفيذ المشروع ومدته والفريق اللازم للتنفيذ من حيث العدد والكفاءة، والمعيقات المحتملة وآليات تجنبها.

سابعاً.. الضوابط الشرعية والفقهية للمشروع الخيري:

الفلك الذي تتحرك فيه المؤسسات الخيرية الإسلامية هو فلك شرعي؛ يخضع لضوابط وأحكام الدين الإسلامي، لذا فإن أي مشروع جديد ينبغي أن يخضع للدراسة الشرعية قبل تطبيقه؛ وذلك لإقراره وتبيان الأحكام الفقهية المصاحبة لتنفيذه على أرض الواقع، وذلك حتى لا تقع المؤسسة الخيرية في أخطاء شرعية؛ وهي تظن أنها على الدرب الصحيح والواقع غير ذلك؛ فيحدث ما لا يحمد عقباه من فشل ومحق للبركة ومخالفة لأوامر الله وإتيان لنواهيه، مما يصعب معه تدارك العواقب.

ثامناً.. استطلاع آراء الخبراء في المشروع الخيري:

ونعني بالخبراء هنا الجهات البحثية والأكاديمية المهتمة بدراسة العمل الخيري الإسلامي، وكذلك بعض القائمين على المؤسسات الخيرية، وذلك حتى يرشدوا المؤسسة لأفضل تطبيق للمشروع الخيري، ويثروا خطة المشروع بخبراتهم ورؤاهم المنهجية. وفي هذا الصدد نقترح بعد الوصول لهذه المرحلة أن تجرى مجموعة من جلسات العصف الذهني عبر سيمنارات أو ورش عمل تضم أدق وأهم الشخصيات المرتبطة بالمشروع الخيري الجديد على المستويين العلمي والعملي؛ ليتم بلورة خطة المشروع وتنقيحها وتطويرها وتحديد قنواتها ومساراتها التطبيقية بما يجعها قابلة للتطبيق العملي الاحترافي الذي يعود على المجتمع بالنفع وعلى المؤسسة الخيرية بالنجاح والتأثير.

تاسعاً.. تجريب المشروع الخيري وقياس حاجة المجتمع المحلي الفعلية له ودرجة أولويته:

قد يكون هناك مشروعاً خيرياً متكاملاً في مضامينه، ناجح في بقعة من البقاع، مناسباً لشريحة من الناس، لكن المجتمع المحلي الذي تعمل المؤسسة الخيرية في نطاقه ليس بحاجة لهذا المشروع؛ أو أنه في مرتبة متأخرة على سلم أولويات هذا المجتمع؛ كأن يكون المشروع مرتبط بتجميل الحي وغرز الأزهار فيه مثلاً؛ مع كونه حياً فقيراً لا يجد قاطنيه الملبس أو الطعام أو المأوى ويعانون من الأمراض والأوجاع، وبالتالي لا يناسبهم التجميل مع الجوع رغم أهمية التجميل.

وهنا يتم تجريب المشروع في نطاق ضيق من محيط المؤسسة، وعلى شريحة بسيطة؛ مع قياس مردود هذا التجريب، ليستفاد من ذلك عند التطبيق النهائي للمشروع.

وهذا العنصر لا يتعارض مع عنصر استطلاع آراء مجتمع المستفيدين المذكور آنفاً، فاستطلاع الرأي شمولي لسلم الأولويات كاملاً، أما التجريب فهو جزئي بتجريب مشروع بعينه.

عاشراً.. تكوين فريق العمل المنفذ للمشروع:

من الأهمية بمكان أن يخصص للمشروع فريق عمل على كفاءة عالية في تنفيذ المشروعات وهو فريق ينقسم إلى قسمين الأول وظيفي من العاملين بالمؤسسة أو المتعاونين معها؛ والثاني تطوعي من أهل المنطقة التي سيطبق بها المشروع، ويراعى أن يُهتم بهذا الفريق -بكلا جناحيه- في النواحي المادية وتيسير مهام عملهم، وكذا التقدير المعنوي والأدبي، وذلك لأنهم قوام المشروع الذي تسعى المؤسسة لتطبيقه؛ وكلما زاد الاهتمام بهم كلما ارتفعت روحهم المعنوية تجاه المشروع الذي ينفذونه.

حادي عشر.. مرونة المشروع:

ينبغي للمشروع الخيري أن يكون متسماً بالمرونة، أي أن تكون دائرته مفتوحة قابلة لحذف بعض أركانه، أو إدخال أية تعديلات أو زيادات عليه أثناء تطبيقه.

ثاني عشر.. الإعلام والمشروع الخيري:

يلعب الإعلام دوراً جوهرياً في نجاح المشروع الخيري، لذا فإنه كلما زاد الإعلان والإعلام عن المشروع الخيري المزمع تطبيقه من قبل المؤسسة الخيرية من خلال وسائل الإعلام المتعددة، كلما كان ذلك أفعل وأجود للمؤسسة الخيرية في تطبيقها للمشروع وتحقيقها لأهدافه، وكذلك جذبها للباذلين والمتطوعين والمتعاونين اللازمين لتطبيقات المشروع.

ووسائل الإعلام التي يمكن استخدامها تختلف تبعاً لقدرات المؤسسات المالية، وحجم المشروع، ومستوى تغطيته الجغرافية.

ثالث عشر.. تسجيل وتوثيق خطوات المشروع:

المؤسسات الخيرية التي تحرص على تسجيل وتوثيق كافة خطوات المشروع الخيري، تستفيد من ذلك في ضبط المشروع وتقويمه، وكذا توثيق الخبرات، الأمر الذي يفيدها مستقبلاً؛ كما يفيد أيضاً المؤسسات الأخرى التي تسعى لتطبيق مثل هذا المشروع. ويمكن في هذا الصدد إعداد أدلة توثيقية عن عناصر المشروع من حيث الإيجابيات والسلبيات والعقبات والمقترحات على أن توزع هذه الأدلة على أعضاء الفريق المنفذ للمشروع الخيري ليدونوا فيها ملاحظاتهم حول المشروع. وفي ضوء هذه الأدلة يكتب كل عضو من أعضاء الفريق بعد فترة زمنية من تطبيق المشروع- تقدرها المؤسسة الخيرية بحسب طبيعة المشروع ومدته- تقريراً نهائياً مفصلاً عن دوره في المشروع وملاحظاته اليومية حوله.

رابع عشر.. قياس عوائد المشروع الخيري:

وفيها يتم قياس نجاحات وإخفاقات المشروع الخيري في الميدان، وكذا جوانب القوة والضعف في التنفيذ؛ وذلك عبر قياس «رؤية مجتمع المستفيدين لنتائج المشروع الخيري وحجم استفادتهم منه» وهذا الأمر يتم بالاستقصاء المباشر من المستفيدين من المشروع وباللقاءات الجماهيرية في محيط المستفيدين من خدمات المشروع وعبر وسائل القياس المتعددة من استمارات استبيان أو الأسئلة الاستقصائية في موقع المؤسسة .

خامس عشر.. العصف الذهني حول إيجابيات وسلبيات تطبيق المشروع الخيري:

تجمع في النهاية تقارير المتابعة ونتائج قياس المردود الميداني للمشروع الخيري؛ ثم تقوم المؤسسة الخيرية في ضوء هذه المعطيات والنتائج بإعداد ورقة عمل كلية حول إيجابيات المشروع وسلبياته وعقباته ومقترحاته؛ على أن تعقد حول هذه الورقة ورشة عمل تضم الخبراء ومنسوبي المؤسسة الخيرية وأعضاء فريق عمل المشروع الخيري؛ يعصفون ذهنهم حولها ويبلورون الورقة العملية بصورة منهجية تجمع بين النظرية والتطبيق؛ لتجد المؤسسة الخيرية نفسها في النهاية أنها أمام دليل عملي حصري لأحد المشروعات الخيرية صالح للتطبيق العملي مستقبلاً دون الحاجة للكثير من الخطوات الإعدادية السابقة إلا من بعض التزويد أو التنقيح التطويري.

ويمكن للكثير من المؤسسات الخيرية المتقاطعة النشاط أن تستعين بهذا الدليل العملي وتطبق خطواته بما يناسب إمكانياتها ومحيطها البشري والجغرافي، الأمر الذي من شأنه تحقيق أكبر قدر من النفع الخيري داخل المجتمعات المحلية الحاضنة لتلك المؤسسات الخيرية؛ الأمر الذي سينعكس على النشاط الخيري والتنموي والإغاثي في كافة بقاع العالم الإسلامي.

هذه بعض النقاط التي نحسب أنها يمكن أن تساهم في الإدارة الناجحة للمشروعات الخيرية داخل المؤسسات الخيرية، وهي نقاط ذات وعاء استيعابي مرن ومفتوح يسمح بالتنقيح والإضافة والتطوير ومزيد من البلورة العملية والعلمية المبنية على تراكم الخبرات وتعدد القراءات.

Please follow and like us:
الهيثم زعفان
كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب