الهيثم زعفان يكتب: المقاومة المصرية والمقاومة الفلسطينية
هناك فرية عجيبة يروج لها كارهو المقاومة الإسلامية في فلسطين مفادها أن صمود المقاومة الفلسطينية في وجه المحتل الصهيوني هو السبب في استمرار قصف العدو الصهيوني وإبادته للمدنيين العزل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ثم فهم يحملون المقاومة الإسلامية في فلسطين مسئولية قتل وإصابة وتشريد الآلاف من المدنيين الذين طالتهم النيران والقذائف الصهيونية عمداً مع سبق الإصرار والترصد؛ وعليه فإنهم يطالبون المقاومة الفلسطينية بالوقف الفوري لعملياتها القتالية، بل ونزع سلاحهم الذي يقاومون به العدو الصهيوني.
فرية عجيبة لا تصب إلا في مصلحة العدو الصهيوني بكل المقاييس، وهي ولله الحمد لا تنطلي على أهل فلسطين البواسل، كما لا تنطلي على من يؤمن بشرف المقاومة ومكافآت التضحية في سبيل الله- سبحانه وتعالى-.
لن أخوض في أسباب الكراهية للمقاومة الإسلامية الفلسطينية، والدافعة لتلك الفرية العجيبة؛ فعلى الرغم من أن أسبابها مركبة وشديدة التعقيد والتشابك؛ إلا أن كثيراً من دوافعها واضح للمراقبين والمحللين إذا وضعناها في سياقها السياسي، وما يرتبط بها من صراعات سلطوية، وعلاقات تطبيعية.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة وبديهية، ماذا لو قام العدو الصهيوني باحتلال إحدى الدول العربية، وأصابها ما أصاب فلسطين من قتل وتدمير للحرث والنسل، ثم تشكلت في هذه الدولة مقاومة باسلة رسمية وشعبية أخذت تدافع عن أرضها بكل ما أوتيت من قوة، فقتلت من الصهاينة المعتدين المئات، وأسرت العشرات، ودمرت مئات الآليات والمركبات، فاشتد غيظ الصهاينة فأمروا سلاحهم الجوي بتدمير الأخضر واليابس في تلك الدولة العربية المحتلة، هل حينها سيقوم المسلمون في دول الجوار وفي العواصم الإسلامية بلوم المقاومة الباسلة على سقوط الضحايا المدنيين على يد الصهاينة؟ وهل سيمتد الأمر للمطالبة بنزع سلاح المقاومة بلا شروط؟! أي منطق هذا؟! وبأي حجة تطرح تلك المطالبة؟
في هذا السياق لن أترك العقل للخيال؛ ولكنني سأعود بالذاكرة قليلاً فقد أعيا النسيان أمتنا، وأتساءل: ألم يحتل الكيان الصهيوني البوابة الشرقية لمصر في عام 1967م واستولى على سيناء بالكامل في ست ساعات؟، ألم تدمر النيران الصهيونية في حربي ١٩٥٦م وتوابع ١٩٦٧م معالم محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس والمعروفة بمدن القنال؟، ألم يُهجَر معظم أهل مدن القنال إلى القاهرة ومدن الدلتا في أوضاع مأساوية؟
في هذه الأثناء ألم تتشكل المقاومة الشعبية المصرية لتقاتل العدو الصهيوني بجوار الجيش المصري الذي كان في مرحلة إعادة البناء؟، ألم يطلق الرئيس جمال عبد الناصر اصطلاح (حرب الاستنزاف)؟. والتي جرى في ضوئها العديد من العمليات القتالية التي أوقعت خسائر عسكرية في صفوف العدو الصهيوني؛ ليرد الصهاينة على ضربات المقاتلين المصريين الرسميين ومقاتلي المقاومة الشعبية في تلك العمليات الاستنزافية بمزيد من القصف للمدنيين ومنازلهم بل ومدارسهم؛ وتبقى مجزرة مدرسة بحر البقر في ٨ أبريل ١٩٧٠م بمحافظة الشرقية خير شاهد على الردود الهستيرية الصهيونية حيال المدنيين، والتي كانت تلجأ إليها كلما تلقت ضربات نوعية موجعة من الجانب المصري.
السؤال الجوهري الموجه لمروجي الفرية العجيبة هو: ألم تندد مصر حينها بمجزرة بحر البقر الوحشية رسمياً، ووصفتها بأنها عمل وحشي يتنافى تماماً مع كل الأعراف والقوانين الإنسانية، واتهمت الكيان الصهيوني أنه شن الهجوم عمداً بهدف الضغط على مصر لوقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف، وإخضاع مصر وإجبارها على وقف الهجمات التي تشنها خلال حرب الاستنزاف، والموافقة على مبادرة (روجرز) لوقف إطلاق النار؟
والسؤال الموجه لهم أيضاً؛ ألم تبرر الجرثومة الصهيونية مجزرة مدرسة بحر البقر بأنها كانت تستهدف أهدافاً عسكرية فقط، وأن المدرسة كانت عبارة عن منشأة عسكرية مخفية، كما جاء على لسان الهالك (موشيه ديان) وزير الدفاع الصهيوني؟
ألا يتشابه هذا التبرير الصهيوني في مجزرة مدرسة بحر البقر المصرية مع تبريرات الصهاينة للمجازر الوحشية في غزة وكافة ربوع فلسطين؟
والأهم من ذلك:
هل جرؤ أحد من العرب حينها على تحميل الجيش المصري والمقاومة الشعبية المصرية مسؤولية مجزرة مدرسة بحر البقر وغيرها من المجازر الصهيونية، وسقوط المدنيين ضحايا عمليات حرب الاستنزاف، وما صاحبها من عمليات قتالية للجيش المصري والمقاومة الشعبية المصرية؟
وهل جرؤ أحد من العرب حينها بمطالبة مصر بوقف العمليات القتالية سواء من قبل الجيش المصري أو المقاومة الشعبية المصرية، وإنهاء حرب الاستنزاف والقبول بالمبادرات الرامية لوقف إطلاق النار الفوري غير المشروط، وإيقاف عمليات المقاومة المصرية الباسلة مع إبقاء الأراضي المصرية قيد الاحتلال؟
وهل جرؤ أحد من العرب حينها بمطالبة مصر بنزع سلاح المقاومة المصرية الباسلة لأنه يهدد أمن الكيان الصهيوني المحتل؟
لقد اعتبر الساسة والقادة العسكريون المصريون العمليات القتالية المصرية في الفترة من ١٩٦٧م إلى ١٩٧٣م توطئة إعدادية لحرب أكتوبر؛ ولم يكن استهداف العدو الصهيوني للمدنيين العزل مؤثراً على الهدف الاستراتيجي المرصود للحرب من الجانب المصري، بل كانت المجازر الصهيونية بحق المدنيين المصريين بمثابة محفزات ووقود اشتعال يحرك الجنود والمقاومين المصريين على خط النار.
لنتخيل سوياً رد فعل المصريين حيال المثبطين لحق الجيش المصري والمقاومة الشعبية المصرية في مدافعة المحتل الصهيوني في تلك الفترة، ولنتخيل أيضاً رد فعل المصريين حيال من وقف بجوارهم في محنتهم لوجستياً وسياسياً، هل نسي أحد من المصريين دور الملك فيصل رحمه في دعمه لقتال المصريين لليهود؟
إن الإشكالية بنظري تكمن في أن البعض بحاجة إلى إعادة مراجعة موقفه ونظرته للكيان الصهيوني، هل هو عدو محتل ينبغي اقتلاع جذوره من المنطقة العربية والإسلامية؟ أم أنهم قوم يهود لهم حق التعايش والتطبيع بجوارنا حتى لو كانت الأرض التي يسكنون فيها محتلة وفيها أولى القبلتين ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم المسجد الأقصى المبارك؛ ولديهم مشروع توسعي في باقي المنطقة العربية والإسلامية متى سنحت لهم الفرصة؟
في تصوري أن هناك علاقة طردية بين الإجابة على هذا التساؤل الحيوي وبين درجة تداول تلك الفرية العجيبة الرائجة في بعض الأوساط العربية والغابنة للانتصارات القتالية للمقاومة الإسلامية الفلسطينية الباسلة.
في الختام فإن المنصف لا يرى موقف المقاومة الإسلامية الفلسطينية في سعيها لتحرير أرضها من العدو الصهيوني إلا توطئة لمعركة كبرى تخلع فيها هذه الجرثومة الصهيونية من جسد الأمة الإسلامية، أسأل الله أن تقر أعيننا بها قريباً بإذن الله.