بسام بن خليل الصفدي يكتب: من مقروءاتي في الحرب
اختلاف الإسلاميين.. الخلاف الإسلامي- الإسلامي «حالة مصر نموذجا» لأحمد سالم

صدر هذا الكتاب عن (مركز نماء) ضمن الدراسات المعنية بالحالة الإسلامية، وكتابنا هذا كما هو ظاهر من عنوانه تصدَّى للخلاف الإسلامي الإسلامي، وضيَّق الخلاف بحصره في الحالة المصرية، وضيَّقه أكثر بحصره في الاختلاف الديني أو السياسي الذي له أثر في تشكيل الحالة الإسلامية المعاصرة، مستبعدا ما ليس كذلك.
وبناه على مسارين:
الأول: سردي كشفي عن مكونات الحالة الإسلامية في مصر (السلفية والإخوانية والتجديدية التنويرية، بتياراتها وتشكُّلاتها وأصولها ومنطلقاتها).
والثاني: تفصيلي في وجوه الاختلاف بين هذه المكونات مع نفسها وغيرها، مع ذكر منطلقات الخلاف ومُثُل من وقائعه وحادثاته، وشيء من التحليل والتعقيب على ذلك كله.
وقدم بمقدمة مهمة ذكر فيها جملة من مفاتيح التعامل مع الكتاب، مشيرا إلى أساس الصراع بين التيارات الإسلامية وأنه صراع على امتلاك التأويل الصحيح للدين الأول الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعرِّجا على أهم تجليات هذا الصراع والمتمثلة حول منهج الإصلاح وطريق التغيير للعودة بالمجتمع إلى الدين الأول.
ثم مهَّد للكتاب بذكر موجز قصة الإسلاميين في مصر، وقسمها إلى ثلاث حقب تنتظمها الفترة الممتدة من سقوط الدولة العثمانية إلى زماننا هذا.
ثم ذكر التصنيفات في تاريخ المسلمين ومردَّها ومتعلَّقها، وتسرَّب منها إلى التصنيفات الجديدة المعاصرة رادًّا إياها إلى حدوث متغيرَين أساسيين في العالم الإسلامي، وهما:
الغزو الغربي عسكريا وثقافيا.
وسقوط الخلافة وعلمنة الأنظمة.
ثم شرع في أصل الكتاب بادئا بالتيارات السلفية (العلمية، والحركية، والجهادية، والمدخلية) مع مقدمة مهمة في السلفية مفهوما ومنهجا وخصائص وتحققا في الخارج.
ويحتشد -في سياق الحديث عن هذه التيارات- لذكر أبرز مشايخها ودعاتها والمؤثرين فيها، حتى إنه لا يكاد يترك أحدا من مشايخ مصر إلا وضعه في زاوية من زوايا التقسيمات والتصنيفات، ولا أقول هذا على سبيل التعريض، بل على سبيل الوصف المجرد.
وهو معتن كذلك بالفروق بين أصول هذه التيارات من جهة، وأطيافها وكياناتها من جهة أخرى.
ويعرج في سياق ذلك على أهم رموزها وأدبياتها ومدوَّناتها.
ثم ثنَّى بعد السلفية بالإخوان، مستعرضا أهم المحطات التاريخية للجماعة من التأسيس الأول إلى فوز الرئيس مرسي في الانتخابات.
ووقف هنا عند أبرز المحطات التاريخية التي مرَّت وتأثرت بها الجماعة.
وعقد مبحثا مهما في تفكيك الحالة الإخوانية معرفيا، ذكر فيه البنية الفكرية، والبنية التنظيمية للجماعة.
وفيه تفاصيل لا يستغني عنها دارس لتاريخ ومنهج الإخوان.
ثم ثلَّث بعد الإخوان باتجاهات تجديد الفكر والخطاب، وقصد بها الاتجاهات التي لها منظومة مفاهيمية تتعارض مع المنظومة السلفية والإخوانية المحافظة.
وقسم هذه التيارات التجديدية إلى ثلاث فئات:
الاتجاه التنويري العقلاني.
والدعاة الجدد، أو الفضائيين على حد تسمية بعضهم.
والمؤسسة الدينية الرسمية.
واستعرض تاريخهم وأفكارهم ورموزهم ومؤسساتهم.
وبعد هذه الفصل الوصفي الكشفي انتقل للفصل الثاني التفصيلي في أوجه الاختلاف بين هذه التيارات، وهو عُظْم الكتاب ومقصوده وثمرته.
بدأ بالاختلاف السلفي السلفي على النحو الذي أشرنا إليه أعلاه، ثم الاختلاف السلفي الإخواني، ثم الاختلاف السلفي مع الاتجاهات التجديدية، ثم الاختلاف الإخواني الإخواني، ثم الاختلاف الإخواني مع الاتجاهات التجديدية، ثم الاختلاف الداخلي بين الاتجاهات التجديدية.
وتحت كل نوع من هذه الأنواع تفاصيل ومباحث لا يتسع المقام هنا للإشارة إليها.
الكتاب مهم جدا، والجهد المبذول فيه كبير لا يتهيأ لكل أحد، والغالب عليه الوصف دون التفسير والتحليل وإن كان لا يخلو منه.
وتبرز أهمية الكتاب في كونه يرصد الحالة الإسلامية ممثَّلة بأبرز تياراتها ومكوناتها، ولا يخفى أثر التيارات في مصر على غيرها في سائر البلاد إلا إذا استثنينا المدخلية السعودية.
ومثل هذه الدراسات يكثر النقاش والجدل حولها بسبب طبيعة مادتها الخلافية، والمختلفون أوزاع متفرقون بين صفحاتها ومباحثها.
قد تختلف مع الكاتب في أمور ذهب إليها وصفا أو تحليلا وتفسيرا، لكنك مستفيد بلا شك من مادته التي تعب في جمعها ورصفها وترتيبها وتحليلها بكثير من التجرد والتحايد.
الكتاب كبير دسم يحتاج إلى تركيز عال وثقافة سابقة تلج بها إلى مباحثه ومسائله.
جزى الله الأستاذ الكاتب خير الجزاء على ما كتب وأفاد، وليعذرني القارئ على ما قد يراه من خلل وتقصير في عرض الكتاب، فإني أكتب عن مسودات علَّقتها عند قراءته أول الحرب، وليس الكتاب بين يدي، والله الموفق والهادي إلى سبيل الحق والرشاد.
الكتاب منشور عن مركز نكاء- بيروت، ط١- ٢٠١٣.
بسام بن خليل الصفدي
الجمعة ٢١ رمضان ١٤٤٦