أقلام حرة

بعد طوفان الأقصى… ماذا يجهز محمد السنوار للمرحلة القادمة؟

عمر نوفل

لا يختلف اثنان على أن الرجل الحديدي محمد السنوار هو النسخة الأخرى من أخيه الشهيد، أبي إبراهيم. فهو يكاد يتطابق معه في طباعه، وصفاته، وعقليته العسكرية. تصفه الصحافة الإسرائيلية بأنه لا يقل «وحشية» في أمنيته بتدمير إسرائيل عن أخيه يحيى، ويجمع كل من عرفوه على أنه رجل صلب، ذو تاريخ عسكري طويل في مقاومة الاحتلال.

لكن السنوار لم يكن مجرد امتدادٍ لشقيقه، بل عقلٌ عسكريٌّ مستقل، له بصمته الخاصة في معركة التحرير. فمنذ أن تولى موقعه القيادي في كتائب القسام، أصبح اسمه يرتبط بأكثر اللحظات حسماً في المواجهة مع الاحتلال. واليوم، يقضي محمد السنوار كل وقته، وتفكيره، وانشغاله التام في كيفية تحويل حياة الصهاينة في أرض أكناف بيت المقدس إلى جحيمٍ لا يُطاق.

تصفه وسائل الإعلام الصهيونية والمحلية بأنه الشخصية الأوفر حظًا بقيادة كتائب القسام ورئاسة أركانها، والممسك بزمام الحرب والسلام، وتحت يديه جيشٌ من المقاتلين، وفصائل تأتمر بأمره. ولكن، مع تصاعد الأحداث وتغير موازين القوى، يطرح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يكون محمد السنوار قائد الطوفان القادم؟

بين الحرب والسلام… استراتيجية السنوار

في أتون الصراع المحتدم، حيث تتقاطع الحسابات السياسية والعسكرية، يبرز محمد السنوار كأحد أبرز العقول التي تُعيد صياغة معادلات القوة في المنطقة. فهو لم يكن يومًا لاعبًا عابرًا في ساحة المعركة، بل كان دائمًا أحد مهندسي المواجهة الاستراتيجية التي فرضت على إسرائيل كابوسًا ممتدًا. واليوم، بينما تتغير الموازين، يعمل السنوار على إعادة تشكيل الأذرع العسكرية، وترميم الصفوف، وتأسيس قواعد مواجهة لا تقوم فقط على الفعل العسكري، بل على استنزاف العدو في كل الجبهات.

السنوار يدرك أن الحرب لم تنتهِ، وأن 7 أكتوبر لم يكن سوى مقدمة لما هو أعظم. فهو يعرف أن إسرائيل، رغم كل قوتها، كيان هشٌّ تحكمه مخاوف وجودية، وأن أي هزة أخرى قد تكون القاضية. لهذا، فإن المرحلة المقبلة ليست مجرد جولة أخرى، بل محطة مفصلية في تاريخ الصراع.

ما بعد الطوفان… ماذا بعد؟

منذ انتهاء المرحلة الأولى من معركة «طوفان الأقصى»، وبدء الحديث عن ترتيبات ما بعد الحرب، يدور همسٌ في الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية عن «الخطر القادم من تحت الرماد». فهل كان محمد السنوار خلال الهدنة يعيد ترتيب الأوراق فقط، أم أنه كان يُعدّ لما هو أخطر؟

السنوار لا يبحث عن مجرد معركة عسكرية أخرى، بل يعمل على تحصين بنية المقاومة، وإعادة تشكيل منظومة الردع، وإرساء معادلة تجعل من أي حرب قادمة أكثر إيلامًا وأشد وقعًا. لذلك،

فإن أولوياته اليوم تتمحور حول:

  1. إعادة هيكلة القيادة العسكرية، بحيث تصبح المقاومة أكثر مرونة في اتخاذ القرار الميداني.
  1. إعادة بناء منظومة التصنيع العسكري، خاصة بعد استهداف مراكزها وقادتها.
  1. تطوير أساليب القتال غير التقليدية، من الطائرات المسيّرة إلى حرب الأنفاق والهجمات السيبرانية.
  1. خلق جبهة استنزاف طويلة الأمد تجعل إسرائيل تنزف سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.

هذه الأولويات تجعل من محمد السنوار ليس مجرد قائد عسكري، بل عقلًا استراتيجيًا يفكر بعقودٍ إلى الأمام، ويدرك أن الطوفان القادم لن يكون مجرد تكرارٍ لما حدث، بل سيكون أكثر إبداعًا، وأكثر فتكًا، وأكثر تأثيرًا على مستقبل الصراع.

بين العقل الإسرائيلي وعقل المقاومة

لا شك أن إسرائيل تراقب السنوار بقلقٍ بالغ. فكل التقارير الاستخباراتية تشير إلى أنه ليس رجل رد الفعل، بل رجل التخطيط بعيد المدى. وهذا ما يجعل المواجهة القادمة ليست مجرد معركة أسلحة، بل معركة عقولٍ واستراتيجيات.

يعرف السنوار أن إسرائيل تحاول كسب الوقت، وإطالة أمد الهدنة، واللعب على وتر الإنهاك الداخلي في غزة، لكنه يدرك أيضًا أن الوقت ليس عاملًا محايدًا، بل هو سلاحٌ بحدين، ومن يُحسن استثماره هو من سيفرض كلمته في النهاية.

هل نشهد أكتوبر آخر؟

ربما يكون السؤال الأكثر إلحاحًا في الأوساط السياسية والعسكرية اليوم هو: هل هناك “طوفان 2” يلوح في الأفق؟

المؤكد أن السنوار لا يؤمن بالتهدئة كخيارٍ استراتيجي، لكنه أيضًا ليس متهورًا. هو رجل الفرصة الذهبية، الذي ينتظر اللحظة المناسبة لتوجيه ضربة أكثر إيلامًا وأوسع تأثيرًا. فإذا كانت إسرائيل تعتقد أنها قد تجاوزت صدمة 7 أكتوبر، فربما يكون هذا هو الوهم الأكبر، لأن الصراع لم ينتهِ، بل ما زال في فصله الأول فقط.

في عقل محمد السنوار، المعركة لم تُحسم بعد… والطوفان القادم ليس سؤالًا، بل حقيقة تنتظر موعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights