مقالات

تأملات في المناظرة التاريخية بين محمد حجاب وويليام لين كريغ

تمألات: د. سامي عامري

شهد العالم مؤخرًا مواجهة فكرية قوية بين الأخ محمد حجاب والفيلسوف والمناظر المسيحي البارز، ويليام لين كريغ. لم تكن هذه مناظرة عادية، بل كانت معركة حول قلب العقيدة المسيحية نفسها – حول معقولية عقيدة الثالوث. ومع انقشاع غبار هذه المعركة، أقدم هذه الأفكار:

1- استهداف الرأس، لا الذيل:

أولاً، علينا أن نشيد بحكمة محمد حجاب في اختيار خصومه. في زمن يكتفي فيه الكثيرون بمناقشة شخصيات غير معروفة أو باحثة عن الشهرة، اختار حجاب مواجهة أحد أكبر العقول المسيحية في العالم. كريغ ليس مجرد شخصية هامشية، بل هو أبرز أصوات المدافعين عن المسيحية في العالم اليوم. لقد نجح حجاب في اختيار مرمى نقده- إلى الرأس لا الذيل – وبذلك حوّل المعركة إلى قلب الفكر المسيحي.

2- ضرب الأصل المسيحي الأضعف:

بتركيزه على الثالوث، وجه حجاب ضربة إلى أساس الإيمان المسيحي، والعمود الذي يقوم عليه بنيانه، وهو الجزء الأضعف في البناء الإيماني للكنيسة. أغلب المناظرين المسيحيين يتجنبون هذا الموضوع لأسباب وجيهة، إذ هو كاشف عن التناقضات الأساسية في إيمانهم. لقد كان اختيار حجاب لهذا الموضوع ضربة عبقرية، إذ كشف عن الإشكاليات الكبرى في العقيدة المسيحية ووطّد الخطاب الإسلامي بذكاء.

3- أهمية التحضير:

إن استعداد محمد حجاب لهذه المناظرة يستحق التقدير، وكان في ذلك متميزًا. كثيرًا ما نرى المناظرين المسلمين يدخلون الساحة بدون الاستعداد اللازم، معتقدين أن الحق وحده سيغلب. لكن حجاب أظهر لنا أن هزيمة الباطل تتطلب العلم والاستراتيجية. درس كتب كريغ بعناية، تتبع حججه، ورد عليها بقوة. هكذا يتصرف المدافع الحقيقي عن الإسلام – جاهز، دقيق، ولا يتهاون.

4- قلب الطاولة:

عندما حاول كريغ أن يحرف النقاش إلى اللاهوت الإسلامي، رد حجاب ببراعة. كشف الزيف في مقاربة كريغ، موضحًا أن الخلافات داخل الدين الواحد لا تقوض العقائد الأساسية. بحنكة، أشار حجاب إلى أن نسخة كريغ من الثالوث غامضة لدرجة أن قلة من اللاهوتيين المسيحيين يتفقون معها. واستخدم حجة كريغ ضد كريغ نفسه: “كيف تدافع عن الثالوث ولا أحد يتفق مع فهمك له؟ ألا يكشف هذا عن اللاعقلانية التي يحاول اللاهوتيون المسيحيون معالجتها منذ ألفي عام؟”

5- كشف جوهر الشرك:

كان نقد حجاب للثالوث حادًا، إذ اخترق دفاعات كريغ بحجة قرآنية دقيقة. عندما حاول كريغ تبرير فكرة أن أشخاص الثالوث الثلاثة يمتلكون إرادات مستقلة، كشف حجاب عن الشرك الواضح في هذا الادعاء. إذا كان لكل شخص من أشخاص الثالوث إرادة مستقلة، فكيف ندفع عن هذا الأمر وصف الشرك؟ انهار دفاع كريغ تحت تناقضاته، ومعه انهارت كل محاولاته للدفاع عن الثالوث.

6- البُعد المفقود في المناظرة:

رغم أن تركيز المناظرة كان على امتحان عقلانية التثليث، كنت أفضّل أن يكون العنوان أوسع – مثل «الثالوث بين العقل والنص المقدس». التناقض بين الثالوث ونصوص الكتاب المقدس، سواء العهد القديم أو الجديد، مهم بقدر لا يقل عن لا عقلانيته. محاولة كريغ تحويل النقاش نحو توافق تفسيره مع الكتاب المقدس كانت مجرد محاولة للالتفاف على القضية الحقيقية.

7- دحض تشويه كريغ للقرآن:

أخيرًا، حاول كريغ التقليل من الفهم الإسلامي للثالوث باتهام القرآن بأنه أساء تصويره، زاعمًا أنّ القرآن يقدّم الثالوث كالآب والابن ومريم بدلاً من الروح القدس. لكن حجاب رد بقوة ووضوح، موضحًا أن القرآن يتناول التقديس المفرط لمريم من قبل بعض الطوائف المسيحية – وهو أمر يعترف به حتى بعض المستشرقين البارزين. كانت هذه محاولة أخرى من كريغ للتهرب من القضية الحقيقية، ومرة أخرى، كان حجاب جاهزًا، إذ فكك هذا الادعاء بحجة علمية دقيقة.

في الختام،

لم تكن هذه المناظرة مجرد تصادم أفكار، بل كانت انتصارًا للحقيقة. وقف محمد حجاب ثابتًا، مستعدًا، ولم يتزعزع، ليظهر أن الأساس الفكري للثالوث هش كما كان دائمًا. إن تداعيات هذه المناظرة ستتردد بعيدًا عن تلك القاعة، حيث كشفت مرة أخرى عن التصدعات في اللاهوت المسيحي التي لا يمكن لأي فلسفة أن تصلحها.

د. سامي عامري

دكتوراه في الأديان المقارنة مؤلف، محاضر، وباحث في الأديان المقارنة والمذاهب المعاصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى