السبت أبريل 27, 2024
مقالات

حاتم سلامة يكتب: الشيخ الغزالي.. أمة وحده

بمناسبة ذكرى رحيله التي هلت علينا هذا الشهر، وتجدد في نفوسنا شعورا مؤلما بالحزن والفقد على فراقه، يجد القلم في نبضه من كل عام مع هذه الذكرى حاجة ماسة وحنينا جارفا، ليعبر عن حبه لهذا الرجل العظيم، الذي لم يكن مجرد عالم دين أو واعظ كبقية الواعظين، ولكنك يمكن أن تصفه بأنه مصلح عظيم استطاع عبر مسيرته الدعوية، أن يجدد ملامح الإسلام في أذهان الناس ويوقظهم إلى سموه.

صفات كثيرة كنت تستشعر بها وأنت تقرأ لهذا الرجل الذي كان له أسلوبا فريدا لا يباريه فيه حتى كبار الأدباء، كنت تشعر بين سطوره كم يحمل من هموم أمته، بل كنت تشعر فيها بصدق مفرط، وإخلاص عميق لهذا الدين ورسالته حينما كنت تسمعه وتشاهده لتأسرك غيرته العظيمة على الدين ووجله على مستقبله.

قدم الرجل في ميدان الوعظ والخلق والفكر صفحات جليلة تمس شغاف القلب، وكانت كتبه هي النموذج الأوفي للكاتب الذي يحرك همم القارئين، ويبعث فيهم نشاطا وشعورا بالانتماء العزيز لهذا الدين، كما خاض حروبا ومعارك عديدة مع خصومه، فما أن يحط على أحدهم حتى يبدد زيوفه، لقد كان رحمه الله يمثل كتيبة ضخمة تحمي هذا الدين من هراء العلمانيين واليساريين وكل العابثين بقيمه وهويته.

ولم تكن هذه المعارك في مواجهة المارقين وحدهم، بل صب جام عنفه على المتعجرفين الحرفيين القاصرين ممن ينتسبون للتدين، ويمثلون بعض تياراته التي شوهت مناط الدين وصورته الزاهية.

وحينما كنت في البقيع بالمدينة المنورة وقفت على قبره الذي دلني عليه أحد المقربين، وفي دعائي له تذكرت هذا التاريخ الكبير، وكيف يرقد بين ثنايا التراب رجل وهب قلمه وحياته ووقته وهمه لله، وكانت خاتمته لا تليق إلا بمجاهد كبير قدر له أن تفارقه الروح وهو ينافع عن الإسلام، قدر له أن يرحل وهو يتحدث عن معالم هذا الدين فيالها من خاتمة.!

يمكن لك إذا أردت أن تعرف قيمة الغزالي أن تعرض بينه وبين بعض العلماء الذين تهلل لهم اليوم بعض الفضائيات، لترى فرقا كبيرا في العرض والفهم والتأثير والإخلاص والهم الحقيقي لمحنة هذا الدين وحال أمته، الذي كان يؤرق فؤاده.

لقد ترك بصمة مؤثرة في حياة الأجيال، وألهب حماسها بحب الإسلام، وعلمها أن تعيش قضته وتعتز بالانتساب إليه، لقد خرج بفكره ووعيه كنموذج لعالم الدين الأزهري، من هذا التصور التقليدي البغيض للعالم الذي لا يتسم بالقيادة، ولا يؤدي دوره إلا في المساجد يلقن الناس أحكام الطهارة والاغتسال، لكن الشيخ كان متشعب الثقافة والعلم والفهم، ويدرك أن دور الداعية لا يقف في المسجد وحده، وإنما على كاهله عبئا كبيرا تجاه هذا المجتمع، وأنه منوط بالصفوف الأولى في قيادته.

يمكن لك أن تقول بأن الشيخ الغزالي بمواهبه وقدراته وقلمه الفريد، أعجوبة لن تتكرر في دنيا الناس، بل يمكن لك بكل ثقة أن ترشد الناس إلى كتبه وأنت مؤمن أنها وحدها كفيلة أن تحقق من نتائج التربية والإصلاح مالا تحققه كثير من دور كثير من المؤسسات العاملة، لأنه كان أمة وحده.

لا يمكن أن نصف الشيخ بأنه فخر الأزهر وحده، وإنما كان فخرا لمصر أن أنجبت مثله، وكان يوم رحيله يوم حداد عظيم في القلوب والمهج، بل خسارة كبيرة استشعرها كل مؤمن صادق، بينما لا شك فرح لها وهلل بنبئها كل مارق فاخر.

Please follow and like us:
حاتم سلامة
كاتب وصحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب