الأحد مايو 5, 2024
مقالات

د. علي محمد عودة يكتب: آمنة بنت وهب أم النبي‫ ﷺ

‏ آمنة بنت وهب، المعروفة بـ«زهرة قريش» أفضل فتيات قريش نسبًا وشرفاً وكانت مخبأة من العيون سنوات طويلة، حتى أنهم لا يعرفون ملامحها، فكانت فتاة ذات مكانة عالية بين جميع فتيات قريش الذين بِسِنِّها، ولا يوجد شاب إلا ويتمنى أن تكون من نصيبه

‏قلة هم الذين تمكنوا من رؤية آمنة بنت وهب، وما من امرأة رأتها إلا وحدثت عنها وعن جمالها وأدبها ورزانة عقلها وفطنتها مما جعلها محط أنظار الكبير والصغير وتقدم لخطبتها العشرات من خيرة شباب مكة، لكن والدها كان يرفض باستمرار لرغبته برجل ذي مواصفات معينة.

‏فابنته من أفضل فتيات مكة سمعةً، ولا يريد لها إلا أفضل شبان مكة سمعة وعلى الرغم من أن خيرة شباب مكة تقدموا لها، لكن لم يكن عبد الله بن عبد المطلب من الذين تقدموا لخطبتها برغم ما له من الرفعة والسمعة والشرف، فقد منعه من التقدم إلى “آمنة” نذر أبيه بنحر أحد بنيه لله عند الكعبة

‏إذ أن عبد المطلب حين قام بحفر زمزم، لم يكن له من الولد سوى ابنه “الحارث” فأخذت قريش تعيب عليه ذلك، فنذر يومها إذا ولد له عشرة من الأبناء سوف ينحر أحدهم عند الكعبة فأنعم الله عليه بعشرة أولاد أصغرهم «عبد الله» وهو الذي استقر عليه السهم ليكون هو الذبيح.

‏لكن عبد المطلب لم يستطع الوفاء بنذره لان عبد الله أحب اولاده إليه واكثرهم معزة في قلبه، فذبح مائة من الإبل ليفدي ابنه من الذبح، وبعد أن انتهت قصة الذبح اخذ عبد المطلب ابنه عبد الله إلى وهب ليخطب آمنة لابنه فغمر الفرح نفس «آمنة».

‏وكان الفتيات يحسدن آمنة لأن عبد الله اشتهر بالوسامة، فكان أجمل الشباب وأكثرهم سحرًا، وكان الشباب يحسدون عبد الله لأن آمنة من خيرة فتيات مكة كما ذكرنا، ووفق الله خير شبان مكة مع خير فتياتها وجمع بينهما لتبدأ قصتهم العظيمة والقصيرة.

‏مكث عبد الله عند عروسه أيامًا قليلة لأنه كان عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى الشام، ومرت الأيام وشعرت خلالها «آمنة» ببوادر الحمل، وكان شعورًا خفيفًا لطيفًا ولم تشعر فيه بأية مشقة أو ألم حتى وضعته، لكنها في ليلة زفافها رأت رؤيا عظيمة وغريبة أفزعتها واثارت دهشتها..

‏رأت آمنة شعاعاً من النور خرج منها فأضاء الدنيا من حولها حتى تراءت لها قصور بصري في الشام وسمعت صوتًا يقول لها: يا آمنة لقد حملتِ بسيد هذه الأمة، ظل هذا الحلم في مخيلتها ولم تنسه وكانت تحدث أقرب الناس لها عنه باستمرار حتى مضت شهور وجاء الخبر القاسي حين علمت آمنة من أبيها بوفاة زوجها وحبيبها عبد الله أثر تعرضه لمرض اثناء رحلته فتوفي بيثرب ودفن فيها وبكت عليه آمنة ولكنها لم تبك عليه وحدها، بل بكت عليه مكة كلها، ومع ذلك صمدت آمنة حتى تحافظ على سلامة جنينها، وبالفعل جاء اليوم الموعود ووضعت وليدها

‏وأنزل الله عز وجل الطمأنينة والسكينة في نفس «آمنة» وأخذت تفكر في الجنين الذي وهبها الله عز وجل والذي وجدت فيه مواساة لها عن وفاة زوجها الحبيب، ووجدت فيه من يخفف أحزانها وجاءتها آلام المخاض، فكانت وحيدة ليس معها أحد، ولكنها شعرت بنور عظيم يغمرها من كل جانب.

‏فولدت أشرف الخلق محمد .

‏بعد مضي ست سنوات من عمره الشريف رأت أمنة انه من باب الوفاء لزوجها ان تذهب لزيارة قبره مع ابنها محمد فشدت الرحال وانطلقت باتجاه يثرب مع صغيرها وسيدة تدعى أم أيمن.

‏وصلت آمنة بنت وهب مع ابنها إلى قبر زوجها عبد الله فوقف ابنها الصغير ونظر إلى قبر أبيه بحزن وتخيلات تعصف مخيلته عن شكله ومواقفه ومدى حاجته له فهو ولد يتيمًا وعاش طفولته بدون أب، مكثوا قليلًا عند قبر عبد الله ثم همّوا بالرجوع لمكة بعد أن ادت واجب الزيارة.

‏قطعت آمنة مع ابنها وأم ايمن ١٥٠ كيلو حتى وصلوا للأبواء فشعرت آمنه بتعب شديد ولكنها صبرت وكانت متمسكة بيد أبنها، ومضت تصارع آلامها ونظراتها لا تفارق أبنها حتى تشبع روحها منه فقد شعرت أن هذا المرض لا شفاء منه وهي مجرد لحظات وستذهب روحها لخالقها فأرادت إشباع نظرها بابنها قبل الرحيل.

‏استمر التعب بمحاصرة آمنة وهي صامدة حتى تمكن منها فسقطت على الارض وإذا بأم أيمن ترفعها والرسول ينظر لها بخوف والدموع بعينيه البريئة تقول أم أيمن: فما أن رفعتها إلا وهي ترفع كفيها وتضم محمدًا، وتقول له: {يا بني كل جديد بال، وكل آت قريب، وكل حي ميت}.

‏فتموت آمنة والنبي ينظر لها وهي جثة والخوف والوحدة والحزن العظيم يجتاحه من كل مكان، أم أيمن رأت حالته وحزنه فأخذت تمسح على رأسه لتصبره فقالت له عاوني يا محمد لنحفر قبر أمك، ويا لهُ من موقف طفل لم يتجاوز السابعة من عمره ينظر لقبر أبيه بالأمس وباليوم التالي يحفر قبر أمه.

‏فأخذ نبينا يحفر معها وهو يبكي تقول أم أيمن كنت أدير وجهه عن أمه من شدة البكاء، فجلسنا أنا ومحمد ثم دفناها في ذلك المكان تقول أم أيمن: أمسكته من يده لنذهب وهو يقول: أمي ويردد أمي أمي ويبكي وينظر وراءه على امل أن تلحقهم.

Please follow and like us:
د. علي محمد عودة
أستاذ متخصص في تاريخ الحروب الصليبية، وتاريخ العدوان الفكري الغربي على الإسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب