حشاني زغيدي يكتب: الأسرة الصالحة قوام المجتمع
يحصر الكثير من الآباء دورهم في إطعام العيال وكسوتهم، يحصر دورهم في تأمين القوت لهم، وسد رمق الجوع، وهو واجب شرعي وقانوني .
إذا حصرنا أدوار الآباء في هذا المستوى، فأحسب أن ذلك أقل الأدوار، أدوار تشترك فيها جميع المخلوقات، فالطيور تطعم وتؤمن قوت صغارها، وكذلك الدواب والوحوش تفعل ذلك بفعل الغريزة المودعة.
لكن دور الإنسان يرتقي على تلك الأدوار، فالإنسان مكرم في خلقه، مكرم بعقله، فهو كلف بمهام أعلى وأرقى، مهام تربوية اتجاه أبنائه وصغاره.
مكلف بتكوين الأسرة بالزواج.
هذه الأسرة التي تحقق في دوحتها الرحمة و المودة، تلك الأسرة التي تتقاسم فيها الأعباء التكاليف، أسرة ترعى تنشئة الأبناء من خلال التربية السليمة.
تلك التربية التي تشكل الحصن المانع للأبناء.
وفي كنف تلك الأسرة يتعلم الأبناء الأدب وحسن المعاملة، يتعلم الصغار الصدق في القول والعمل، يتعلم الصغار خلق الوفاء بالوعود، فينسأ الولد أبعد عن الخيانة، يتعلم الصغير في الأسرة صون الأمانات، وحفظ العهود، يتعلم الصغير في الأسرة الصدق في القول، يقول الحق ولو على نفسه، ينفر من الكذب ولو كان في مصلحته.
يتعلم الطفل في كنف الأسرة حب العمل، فيتدرب في الأسرة خدمة نفسه، وتنظيم شؤونه الخاصة الاستفادة من وقته، يتدرب على خدمة غير ورعاية مصالحهم، يتدرب على نظافة مكانه الذي يجلس فيه والملعقة التي يأكل بها، ويتعلم كيف يطوي فراشه، ويحفظ ملابسه، كل تلك الأمور يتعلمها الصغير من أمه وأبيه في تلك الأسرة، يتعلمها من خلال الاقتداء والتأسي بالنموذج السليم.
إن دور الأباء يرتقي في أهدافه، ليتجاوز الطعام والغذاء ؛ ليرتقي إلى صقل المواهب، وبناء الإنسان الرّسالي، صاحب العطاء.
ليتنا استمعنا لرسائل الوحي في قوله تعالى للآباء ولكل من يشغله مهمة التربية : {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}
إن من صميم مهمة الأسرة حماية تلك الثروة البشرية من الضياع والسقوط في الهاوية، حماية الآدمية من السقوط في أوحال الرذائل والموبقات والجرائم، حماية النفس الإنسانية من الانهيار الخلقي، حماية الإنسانية من الفساد في الأرض.
إن دور الأسرة ومن خلالها دور الأباء دور محوري في تشكيل بنية المجتمع الصالح الفاعل والمؤثر من خلال المنتج التربوي الفعال؛ من خلال أبنائنا الصالحين، كفيل أن ينتج نسخ صالحة في المجتمع صالح.
إن المجتمع الذي ينخر جسمه الجرائم بكل أشكالها؛ سرقة، قتل، اغتصاب، انتحار، رشاوي، تسول، طلاق، عقوق، بكل تلك الظواهر السلبية لا تنتج المجتمع الذي نرسمه في أهداف إذا كانت التنشئة خاطئة.
حين تهمل الأسرة أدوارها الحقيقية؛ فحتما تحل الكوارث، في المقابل إذا راعينا الأبناء ولبينا حاجياتهم التربوية في شتى جوانبها، فإننا بذلك نحمي شبابنا من السقوط في مستنفع مجهول، يكون نتاجه دمار المجتمع، يكون نتاجه دمار المقدرات وذخائر الأمة.
فأطفالنا هم شباب الغد، هم ثمرة التربية الصالحة التي نبنيها في كل مرحلة من مراحل التنشئة، التي تنتج لنا أم صالحة وأب صالح وأبناء صالحين،
لذلك على الأباء والأمهات ضرورة الحرص على لزوم القدوة الصالحة في كل الشؤون حياهم حفظا على سلامة تربية الأبناء.
فنضع نصب أعيننا هذه الأبيات الراقية:
يا أيها الرجل المعلِّم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليمُ؟
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
لا تنه عن خُلُقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
نسأل الله أن يحفظ أسرنا وأولادنا أجمعين.