حشاني زغيدي يكتب: رشحة من فيض ذكرى
سنة ماضية أن الموت حق، وأن الكبير والصغير يرحل، لكن هناك من يرحل فيترك ذكرى، يرحل فيترك عبرة، يرحل فتبكيه الجموع، يرحل فيترك دروسا شاهدة للأجيال، فيحزن لموته القريب والبعيد.
إن هذه الطينة من البشر شموع الأمة، إذا رحلوا تذكرتهم الجموع، تذكرهم الفضاءات لفراغ تركوه ؛ فهؤلاء عاشوا ليسعدوا الناس، عاشوا لهموم أمّة، عاشوا ليبنوا ويرعوا الخير بين الناس، عاشوا ليضمدوا الجراح، عاشوا بهمم الرجال، عاشوا لعظائم الأمور، فهانت الصغائر في عيونهم، رغم الظروف القاهرة لم يبالوا بالمخاطر والفتن، رغم سهام اللئام الغادرة، فلم يحيدوا عن رسمهم المرسوم، فلم يجبنوا أو يخونوا، ولم يضعفوا أو يستكينوا، بل كانت عيونهم صوب الهدف، تحلق عاليا، تبصر الأفق البعيد، كانت مداركهم تستمتع بحركة النجوم في السماء، كأن بينهم وبينها رسالة وقضية.
إن طينة هؤلاء ترفض التخفي أيام البلاء، ترفض التشفي حين تنزل الأرزاء، فطينة هؤلاء ترفض الجبن عند اللقاء، نفوس تذر بالسخاء، تنفق الأوقات في البناء، إن طينة هؤلاء تحمل الخير ترعى الوفاء.
إن طينة هؤلاء تفيض بالبشر، تنشر التبر في الفضاء، تصنع الأفراح كي تسعد الناس أيام الجفاء، هم إشراقة فجر صادق، يحمل التباشير لليائسين القابعين في العراء، صوتهم يطفئ حزن أيام البلاء، هم شمعة تحرق نفسها، ليستفيد الجميع بالضياء.
هي رشحة من فيض ذكرى لرجال مضوا، ملأوا الروض بالعطاء، هي رشحة عطشان يقتله الظمأ، لحنين قد مضى، رغم الفراق لتبقى نفحة الذكرى تحرك فينا شوق اللقاء، لتبقى عبير الذكرى تحن لنهج من مضوا، حتى يُكمل السير على خطاهم، فنحمل راية مجد حملوها بالوفاء، نحمل فكرهم، نحمي نهجهم، نكمل مشروعهم.
تلك المعاني وغيرها كانت لنا عرائس ماض مزهوة، تشربنا عبيرها من مربّ وقائد عرفته ساحات العطاء، أيقظ فينا الروح لنحمل الخير للأوطان، أيقظ فينا الروح لنسير رفقة الأخيار في ميادين العطاء ذاك هو شيخي وأستاذي فضيلة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله تعالى.