شرع جيش الاحتلال الإسرائيلي تحت قيادة الفرقة (99) بعدوان عسكري اسع في الأحياء الشرقية من مدينة غزة انطلاقا من حي الزيتون، أكبر أحياء المدينة، مستهلا هجومه بأحزمة نارية عنيفة استهدفت مناطق وسط وجنوب الحي على مدار الأيام الخمسة الماضية.
وفقا لشهود عيان تحدثوا لـ”قدس برس” فقد تركز القصف الإسرائيلي بسلاح الجو مستهدفا الأجزاء الشرقية والجنوبية من حي الزيتون، فيما حاصرت طائرات مسيرة من طراز “كواد كابتر”، و”سوبر هيرو” الحي الأكبر في المدينة، ودعت عبر مكبرات الصوت المواطنين لإخلائه، مصدرة أصواتا عنيفة تشبه أصوات الاستغاثة.
في حين نشرت صفحة/ أور فيالكوف/ العبرية، تحديثا ميدانيا لأخر التطورات في الحي، حيث تفيد المنصة بتقدم رتل عسكري بقوام كتيبتين مدرعتين تحت غطاء قصف مدفعي وجوي، ووصلت إلى الطريق السريع رقم 8 من جهة الشرق.
كما شرعت دبابات عسكرية من طراز (D9) بعمليات هدم وتجريف في الحي، بالتزامن مع قصف مكثف من الطائرات الحربية التي قامت بتدمير الطوابق العليا الشاهقة في أحياء الزيتون والصبرة، بهدف تأمين القوات من أي عمليات قنص من قبل أفراد المقاومة الفلسطينية.
كما استبق الهجوم البري قيام الجيش بتفجير حاويات وروبوتات مفخخة في الحي، كل واحدة منها تزن 12 طن من المواد شديدة الانفجار، مسببة دمار هائل في الحي، ومحدثة أصوات عنيفة وهزات أرضية سمعت أصداها في المنطقة الجنوبية وفقا لرصد مراسل “قدس برس” جنوبي القطاع.
كما دمر الجيش عددا من المدارس بينها مدرسة حليمة السعدية للإناث، كانت تضم عشرات آلاف النازحين، دافعة إياهم لمغادرتها والنزوح تحت وطأة القصف العنيف إلى وسط وجنوب القطاع.
ووفقا لتقدير /مدونة أبو علي/ إحدى المنصات المقربة من جهاز الامن العام- الشاباك-، فإن خطة الهجوم على مدينة غزة تتضمن سحقا شاملا للأبنية عبر تكثيف القصف الجوي والمدفعي، مع إخلاء سريع للسكان، وبعد ذلك ستقتحم الدبابات الأحياء، وتبدأ الجرافات بتدمير أحياء غزة بالكامل وفق نموذج مدينتا رفح وخان يونس جنوبي القطاع، وبلدات جباليا وبيت حانون شمالي القطاع.
ووفق تقدير المدونة، فإن الجيش يقدر أنه في حال إخلاء حي الزيتون بالكامل خلال 3 أيام من اليوم السبت، فإن مهمة إخلاء المدينة بأكملها لن تتجاوز أسبوعا واحدا.
بدوره أشار الخبير العسكري رامي أبو زبيدة، “أن نمط التحرك الإسرائيلي في مدينة غزة خلال الساعات الأخيرة يشير إلى رغبته في إحكام السيطرة على شارع 8، فالسيطرة عليه تعني فتح المجال أمام قوات المشاة في فتح طريق نحو أحياء تل الهوا والصبرة، ثم إلى الطريق الساحلي (شارع الرشيد) ما يتيح إمكانية التطويق العرضي للمدينة”.
وأضاف أبو زبيدة في حديث لـ”قدس برس”: “ينتهج الجيش أسلوب الأرض المحروقة، لتحقيق عدة أهداف من بينها، تدمير البيئة الحضرية، فرض نزوح قسري شامل لإفراغ المدينة بأسرع وقت ممكن، ومنح المجال للقوات لتقدم آمن نسبيا”.
ومع ذلك ينوه أبو زبيدة، أن “الجيش رغم رغبته في تسريع إيقاع المواجهة إلا أنه سيواجه مقاومة شرسة، وقد نكون أمام معركة استنزاف طويلة، خصوصا وأن كتائب غزة لا تزال تحافظ على زخمها وامتلكت من الخبرة العسكرية ما يمنحها تفوقا أمام الجيش الإسرائيلي”.
تعتبر الفرقة 99 في الجيش الإسرائيلي إحدى الفرق القتالية التي تضم مجموعة متجانسة من المكونات القتالية والتكتيكية، وتضم تشكيلات من القوات النظامية والاحتياطية، وتعرف باسم “الوميض” وتعتبر ضمن الفرق القابلة للتكيف والتدخل السريع في الجيش، وتدار من القيادة المركزية.
وتتشكل الفرقة وفقا لمراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي، دورن كدوش” من ألوية مشاة احتياط أهمها لواء يفتاح (11)، وكفير (900) ولواء احتياط مظلي “شوعي ماروم” (646)، بالإضافة لألوية دعم تشمل كتائب هندسة وإمداد واستطلاع وهندسة قتالية، كما تضم عدة كتائب مشاة ومدرعات وطقم لوجستي وهندسي متكامل.
ولعبت الفرقة دورا محوريا في العمليات البرية في غزة، ابتداء من اشتباكات مخيمات وسط القطاع، مرورا بتحصين المحاور الاستراتيجية كـ”نتساريم”، وصولا إلى عمليات محصنة داخل الأحياء والمدن.
ومع بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، بدأت الفرقة سحب قواتها تدريجيا من محاور الاشتباك، فيما نسقت القيادة عمليات الانتقال مع وحدات أخرى لضمان استمرارية السيطرة الأمنية.
وعلى وقع الهجوم الإسرائيلي العنيف، يواجه الأهالي ظروف إنسانية مأساوية، بسبب الإرهاق الناتج عن النزوح المتكرر، وغياب أماكن آمنة، فضلا عن الكلفة المالية التي باتت عائقا كبيرًا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، حيث تتجاوز تكلفة نقل العربة الواحدة بضعة كيلو مترات مبلغا يتراوح ما بين خمسة آلاف- سبعة آلاف شيكل (حوالي 1500-2000 دولار).
وخلال الساعات الماضية، شهدت أحياء الصبرة وتل الهوى جنوب غرب غزة، وحي الزيتون جنوب شرق المدينة، حركة نزوح كثيفة، حيث افترش بعض الأهالي الأرض وقضوا ليلتهم في العراء، فيما توجه آخرون إلى محيط مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني قرب “دوار الخور”، وبعضهم اتجه إلى شارع الرشيد الساحلي، بينما فضل البعض اللجوء شمالا نحو حي الشاطئ ومستشفى الشفاء.
وكانت صحيفة /يديعوت أحرونوت/ العبرية ذكرت، اليوم الجمعة، أن الجيش الإسرائيلي يعتزم استدعاء ما بين 80 و100 ألف من قوات الاحتياط للمشاركة في العملية المحتملة، مشيرة إلى أن الأوامر صدرت بالاستعداد لاجتياح ما تبقى من مدينة غزة، وأن التنفيذ قد يتم قبل حلول أيلول/سبتمبر المقبل.
والأربعاء الماضي، صادق رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، على “الفكرة المركزية” للخطة، والتي تتضمن مهاجمة منطقة الزيتون جنوب المدينة، وهي العملية التي بدأت بالفعل الثلاثاء الماضي.
وبدعم أمريكي، ترتكب دولة الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 61 ألفا و827 شهيدا، و155 ألفا و275 مصابين، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
