د. أحمد الدمنهوري يكتب: عَلِّم الناس ما تَعَلَّمت

كل متصدر لتعليم الناس ودعوتهم قبل الاكتمال، وقبل أن يدفن نفسه في أرض الخمول لعشر سنوات على الأقل، مع الطلب الدائم، والدأب الذي لا يهدأ، والتواصل المستمر مع أهل العلم = فهو يزري بنفسه.
.
لكن هذا لا يمنع الإنسان من أن يدل الناس على العلم، إن تعلم شيئا أوليا، وأن يأمر بالمعروف وأن ينصح للناس، وأن يدل الناس على طريق العلم والعلماء؛ لا أن يجعل نفسه بديلا عنهم.
.
إن فرضنا إنسانا تعلم قبل ساعة أن الكذب حرام = تصورنا صحة أن يخبر أولاده أن الكذب حرام، وإن فرضنا إنسانا علم كيف يقرأ الفاتحة = تصورنا أن يعلم أولاده أو إخوانه أو زوجته الفاتحة.. إن أتقن وكان متأكدا مما في يده.
.
أما أن يتعدى ذلك؛ فلا. والتصدر شهوة، وأن تجلس ليسمع الناس منك شهوة خفية، وأن يشار إليك شهوة أخفى.
.
نصيحتي الدائمة لكل من درس معي = أن يُعَلِّم الناس ما تَعَلَّم، وأن ينصح الناس بما تَعَلَّم؛ وأن يدل الناس على طريق العلم، ويمكن أن يعقد جلسات لتعليم ما تعلم؛ شرط ألا يخجل من قول: الله أعلم، وأن يعد نفسه قبل الجلسة، وأن يكون ما سيقوله قد درسه أكثر من مرة حتى يتمكن من نفسه ويتغلغل في فؤاده فعلمه على وجهه..
.
بين أيدينا تجارب كثيرة أساءت من حيث تريد أن تحسن، والعاطفة الجياشة والحماسة الشديدة ليست كافية للتصدر، والتحسر على حال الأمة وشبابها ليس مؤهلا للتصدر.
.
لقد أساءت جماعات للإسلام إما بتصدير غير المؤهلين إلا من حماس وغيرة، أو بإغفال قضية العلم وازدراء المشتغلين به بزعم عدم أهميته قبال قضايا الأمة.. لا نريد إعادة تدوير الهراء، فلدى الأمة ما يكفي!
.
نصيحة ذهبية قالها مشايخنا: لا تتصدر قبل الأربعين.
.
وهذه نصيحة تقال لطالب نشأ في حجر العلم؛ فحفظ القرآن ودرس في أمثال الأزهر.. إذ عقول الناس أمانة وأوقات الناس أمانة.
أما من كان زاده “الكورسات” أو “الدورات” أو “الأكاديميات”؛ فليعلم أن هذه البرامج جميعا وجدت لإطفاء حريق، وهو إنقاذ المسلمين وشباب أمتنا الذين لم يتعلموا الدين في مدارسهم ولا جامعاتهم؛ لكن هذه البرامج لا تنشئ عالما؛ إذ أقصاها أن تنشئ مسلما معتزا بدينه وهويته وحضارته، لا يهتز أمام العواصف، يخشى الله قدر استطاعته.. وهذا عمل عظيم.. لكن صناعة العلم شأن آخر!
أسأل الله التوفيق للجميع.