د. أحمد زكريا يكتب: هل نحن تافهون؟!
نحن في زمن تغيرت فيه المفاهيم وميعت فيه القيم.. وتبدلت فيه المبادئ.. حتى أصبح صاحب العقل يقف حائرًا ماذا يصنع، وصاحب القلم يظل صامتاً لا يدري ما يقول أو عن ماذا يكتب.
كيف لا يكون هذا ونحن في زمن همش فيه العقل.. وحورب فيه الفكر السليم المبدع.. وأطلق فيه العنان لأصحاب العقول الفارغة.. التي أصبحت التفاهة هي السمة الغالبة عليها؛ تقول ما تريد وتفعل ما تشاء.
ازدواجية غريبة جداً نعيشها اليوم في عالمنا العربي والإسلامي ومشكلة باتت تؤثر على حياتنا اليومية.
ويكمن ضررها على الأجيال القادمة عندما تربى على أهمية العقل والإبداع في الحياة.. وبين الواقع الذي يمجد الهزل ويرفع التافهين.. فينشأ جيل حائر بين هذه المتناقضات لا يدري أيصدق الواقع الذي يعيشه أو المنهج الذي يتعلمه.
فكم علمنا أبناءنا أهمية العقل ومكانته…وأنه أداة التكليف وآلة التغيير ومنطلق الإبداع… وأنه السلاح الذي تكسب من خلاله العلوم… وتدرك به الأشياء.
ثم يأتي إلى الواقع والأفعال فيجد أنها تهدم كل ما قيل له.. فيجد أن أصحاب العقول والمبدعين وأصحاب المواهب والابتكارات أكثر الناس تهميشا وأشدهم عزلة.. وأبعدهم عن صناعة القرار وواقع الحياة.. لا يؤبه لهم ولا يلتفت إليهم إلا على استحياء.
بينما صناع التفاهة ومروجو الهزل تنصب لهم الرايات وتذاع عنهم الأخبار ويستضافون في الحلقات وعلى القنوات ويقدمون للجيل على أنهم هم القدوات.
وما نشاهده اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي خير دليل وأعظم برهان.. فكم من تافه لا يسوى قيمة ما يلبسه، كل همه الاستهزاء والضحك على الناس والدعوة لمخالفة القيم والمطالبة بالانحلال والتفسخ من الأخلاق والافتخار بالغرب وحضارته الزائفة… وتجد المتابعين له بالآلاف.. وتنتشر مقاطعه بين الخاصة قبل العامة انتشاراً عجيباً.. وتطبع الإعلانات باسمه ويدعى للحفلات والندوات وكأنه هو من يجب أن نقتدي به ونتبعه.
بينما أهل العلوم النافعة وأصحاب المواقع المفيدة الذين يدعون للعلم ويشجعون عليه ويحافظون على القيم ويدعون لأحسن الأخلاق وجميل الصفات…لا تجد من يتابعهم إلا النزر اليسير ولا يتبادل مقاطعهم وأعمالهم إلا القلة من الناس.. بل إني رأيت من إذا رأى مثل هذه المقاطع النافعة فانه لا ينشرها أو حتى يابه لها أو يعيرها أي اهتمام، بل إنه يسارع في تجاوزها إلى غيرها.. ولو وقع في يده مقطع فيه استهزاء بالدين أو مقالب في المساكين واحتقار الآخرين لسارع إلى نشرها والإعجاب بها بحجة أنها تضحك الناس وتنشر الطرفة.
فالمسئولية تقع علينا جميعا، فلولا تشجعينا ودعمنا لمثل هؤلاء السفهاء ما أصبح لهم هذا الشأن واحتلوا هذه المكانة. ولنتذكر قوله تعالى «قل هو من عند أنفسكم..» وإلا جرفتنا الأمواج ولا نجد أنفسنا الا ونحن في مصافهم.