د. أمينة العريمي تكتب: التقارب السوداني الإريتري بين المدٍّ والجزر السياسي
1- تقول الحكمة الأفريقية القديمة «لا قيمة للخشب أمام الذهب ولكن عند الغرق تختلف الحسابات»
2- الحسابات السياسية والأمنية في منطقة القرن الإفريقي هي الأكثر وضوحاً، والأسرع تقلباً، والأعمق تأثيراً ويعود ذلك برأيي إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتلك المنطقة، وطبيعة الشعوب والقبائل المتداخلة والتاريخ المشترك بين تلك الدول، وهذا ما أدركته الخرطوم باكراً فحافظت على كافة المسافات بينها وبين دول القرن الإفريقي وفقاً لتقلبات المد والجزر السياسي الذي يعصف بالقارة الأفريقية منذ استقلال معظم دولها في حقبة الستينات من القرن الماضي.
3- فيما يتعلق بالتقارب السوداني الإرتيري الأخير فتختلف رؤية القيادات في القرن الأفريقي لذلك التقارب ففي الوقت الذي تشجع فيه مقديشو هذا التقارب ولو تهيأت لها الفرصة ستشارك به وستدعم أجندته، نجد أن رؤية أديس أبابا لذلك التقارب يسير في اتجاهين:
🔆 الاتجاه الأول: تدرك أديس أبابا منذ بدء الحرب السودانية في إبريل 2023 أن أسمره تسعى إلى الاستفادة من ضبابية الموقف الأثيوبي من الأزمة السودانية وفي ذات الوقت تعمل أرتيريا على التقارب مع القيادة السودانية التي باتت أقرب لحليفتها روسيا في دلالة واضحة بأن التقارب السوداني الإرتيري وإن لم يتم رسم ملامحه في موسكو إلا إنه أقرب ما يكون لرؤيتها المستقبلية في البحر الأحمر.
🔆 الاتجاه الثاني: قناعة القيادات الأثيوبية منذ عهد الراحل «مليس زيناوي» إلى رئيس الوزراء الحالي «أبي أحمد» بأن أسمره تطمح منذ بداية نشأتها 1993 للحصول على حيزاً من التقدير تفتقده في إقليمها مقارنة بأثيوبيا، فأرتيريا ومنذ استقلالها عن اثيوبيا في تسعينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا وهي تحاول جاهدة طرح نفسها كحليف قادر على حماية المصالح الدولية حتى وإن أبخصتها معظم الأطراف الدولية حقها وبالتالي ما الضير من الإقدام على مغامرة قد تعيد بها القوى الدولية النظر في أسمره كلاعب محوري في القرن الأفريقي.
4- أرى أن توقيت تصريح الرئيس الإرتيري «أسياس أفورقي» الأخير بانخراط قواته المسلحة للقتال لصالح الجيش السوداني في حال وصلت مليشيات الدعم السريع لولايات “كسلا، النيل الأزرق، القضارف، البحر الأحمر” جاء ليحقق الآتي:
🔆 رغبة أسمره في التعاون مع الخرطوم لإجهاض مساعي الحكومة الإرتيرية الانتقالية في المنفى «TEGIE»، والتي تتعاون مع السلطات الأثيوبية لتحسين وضع المواطنين الإرتيريين المقيمين في اثيوبيا، ومما ساهم في تدهور العلاقات بين أسمره وأديس أبابا هو موافقة الأخيرة على تنظيم مؤتمر للمعارضة الارتيرية على أراضيها في أغسطس الماضي بحضور أعضاء من «Brigade Nhamedu» الذين أكدوا على ضرورة تشكيل جبهة موحدة وتقديم اقتراح لانتقال سياسي في إرتيريا تم تسليمه للسلطات الأثيوبية وهذا التوافق الأثيوبي مع المعارضة الإرتيرية طبعاً قابله دعماً أرتيرياً لمجموعة «FANO» المتمردة في إثيوبيا.
5- إلا إني أرى أن تحقيق هذا المسعى لحكومة الرئيس «أسياس أفورقي» من خلال الخرطوم يبدو صعباً في ظل الظروف التي يمر بها السودان اليوم، فالقيادة السودانية الآن تتجنب فتح بؤر قتال إقليمية ضدها في ظل تقدم العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش السوداني ضد مليشيات الدعم السريع وبالتوازي مع نجاح الدبلوماسية السودانية إقليمياً ودولياً في فرض استحقاقها على كافة المستويات وهذا ما يفسر تضاعف عدد الوفود الدبلوماسية والأممية للقاء القيادات السودانية وليس من الفطنة التضحية بتلك المكتسبات لشراء موقف سياسي.
6- انخراط الجيش الإرتيري في دعم العمليات العسكرية لصالح الجيش السوداني إذا وقع سيعزز من الحضور السياسي والأمني الإرتيري في المجتمعات المحلية المشتركة مع السودان خاصة بين مجتمع بني عامر والبجا، في إطار مساعي أسمرة الحثيثة لحل أزمة المجتمعات المحلية حول ملكية الأراضي في تلك الولايات الحدودية مع السودان «كسلا، البحر الأحمر، القضارف، النيل الأزرق»، وفي ذات الوقت سيفرض واقعاً جديداً لمستقبل قيادة القرن الإفريقي.
7- دول الجوار الإقليمي لمنطقة القرن الأفريقي يجتمعون على حقيقة واحدة مفادها أن الصراع بين أثيوبيا وإرتيريا هو صراع قائم ومتجدد قد يؤجله تحالف يولد بين أسمره وأديس أبابا ولكن لا ينهيه، والخرطوم تدرك حقائق الأنظمة السياسية المجاورة لها إقليمياً، وذلك بسبب الدور الأمني والاستخباراتي والسياسي الذي لعبته الخرطوم في تأسيس تلك الأنظمة ودعمها للوصول للحكم، بدءاً من حكم الراحل زعيم النهضة الأثيوبية «مليس زيناوي» مروراً بإقامة معسكرات التدريب في شرق السودان «كسلا» بقيادة اللواء «عثمان السيد» لتدريب العناصر العسكرية والأمنية التابعة للرئيس الإرتيري الحالي «أسياس أفورقي» ووصولاً إلى إسقاط نظام “منغستو هيلا مريام” في حقبة تسعينيات القرن الماضي.
8- رغم وعي وإدراك كافة القيادات السياسية في دول القرن الإفريقي أن الحرب التي يخوضها الجيش السوداني ضد مليشيا الدعم السريع لها أثرها الإستراتيجي والأمني والسياسي على كافة دول القرن مما يؤكد أن هناك «ميزان قوى» جديد بدأ يتشكل ويلوح في الأفق، تبدو أسمره هي الأسرع ولا أقول الأقرب في تفهم ذلك.
مشاركة علمية للباحثة في مركز مقديشو للبحوث والدراسات الإستراتيجية