مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: شهر رمضان وإيقاظ الأُمَّة

إنَّ الإسلام هو الرباط الوثيق الأوحد بين المسلمين في المشارق والمغارب؛ والمسلمون بهذا الرباط الوثيق (الإسلام) أصبحوا بنعمة الله إخوانًا، وأمةً واحدةً تتكافأ دماؤهم، ويسعي بذمتهم أدناهم، وهم يد علي مَن سواهم.

فلا غرو أنْ ذكَّر الله المؤمنين الأوَّلين بنعمة الأُخوَّة التي أنعم بها عليهم؛ فأصبحوا بفضلها إخوانًا متحابين متعاونين، كما جاء في قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103].

بتلك الأُخوَّة، ظلت وحدة الأمة -في تاريخها الطويل- هي سر قوتها وبقائها، وحصنها المنيع أمام أعدائها.

حدّثوا أنَّ جيشًا من المسلمين كان بينه وبين عدوِّهِ نهرٌ فأمرهم القائد أن يخوضوه، ولبُّوا الأمر، وخاضوا النهر، والعدو يَشهدهم من بعيد دهشًا مرتاعًا، وفي وسط النهر شهدهم العدو يغوصون في جوف الماء مرة واحدة كأنما غرقوا، ثم ظهروا فجأة، فسأل العدو: ما شأنُهم؟ فعرفوا أنَّ رجلاً منهم سقط منه قعبه -إناؤه- فصاح: قعبي، قعبي! فغاصوا جميعاً يبحثون عن قعب أخيهم، فقال الأعداء في ذهول: إذا كانوا يصنعون مثل هذا في قعب سقط من أحدهم، فماذا يصنعون إذا قتلنا بعضاً منهم؟ وفتَّ ذلك في عضدهم، وكانت العاقبة التسليم للمؤمنين!

ولمَّا أدرك الاستعمار العالمي أنَّ سر قوة هذه الأمة تكمن في وحدتها؛ وأنَّه لن يستطيع الهيمنة والتحكم في بلاد المسلمين إلا بتفرقنا وتشتتنا نحن العرب والمسلمين؛ جعل تمزيق الأمة وتقسيمها إلي دويلات شتي، همَّه الأول والأخير، ونجح في ذلك إلى حد بعيد؛ وتمزّقت في الأمة عُرى الأُخوَّةِ والوحدة؛ فهان المسلمون أفرادًا، وهانوا أممًا، يوم وهت أواصر الأُخوَّةِ بينهم، وأصبح الأخ لا يعبأ بأمر أخيه وإنْ ضاع قعبه، بل وإن قُتِل أخوه وسُفِك دمُه!!

ويأتي شهر رمضان -وكذلك كل شعائر الإسلام- ليوقظ وعيَ الأمة إلى سر قوتها: فيجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على سحورٍ واحد، وإفطارٍ واحد؛ وليثْبت للأمة كلها، بعالِمها وجاهلِها، وكبيرِها وصغيرِها، وغنيِّها وفقيرِها، وحاكِمها ومحكومِها؛ أنَّه ليس هناك مشروع يقوى على جمع هذه الأمة من شتاتها وتمزقها، وتكون له القدرة على إحياء مواتها، وإعادتها إلى سالف عزها ومجدها وسيادتها غير شريعة الإسلام!!

تُرى هل تستيقظ الأمة، وتتعلم من شهر رمضان هذا الدرس العظيم – وما أكثر دروسه وأعمقها لكل ذي لُب – في إدراك قيمة الوحدة والاعتصام بحبل الله، وعدم التنازع ونبذ الفرقة، خاصة في ظل ما يحل بساحة الأمة من قوارع دامية، والتي من شأنها، أن توقظ النيام مهما كان غطيطهم، ومهما كانت غيبوبتهم؟! أم يصدق فينا قول القائل، لا سمح الله:

قد يوقظ الطبل النيام إذا غفوْا ** فمَنْ لك بالطبل الذي يوقظ الموتى؟!

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى