د. جمال أبو حسان يكتب: الجهاد ماض إلى يوم القيامة
ذكر الله تعالى الجهاد في كتابه بصور مختلفة: إما اسمية أو فعلية أو بصيغة القتل بمختلف تصرفاتها، قرابة مئة مرة، ما بين السور المكية والسور المدنية، حتى يبقى ذكره منغرسا في نفوس المسلمين،
وأنه ذو شأن عظيم في عقيدتهم ودينهم، وقد تربى المسلمون على هذه العقيدة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة ولا يزالون،
ففتحت لهم الدنيا ودانت لهم الدول، وخضعت لهم الجبابرة عبر تاريخ الإسلام المجيد،
ولم يظهر في المسلمين عبر تاريخهم من ينادي إلى حذف هذا المصطلح من نفوس الناس، ولا من مناهج دراستهم،
ولا من أحاديثهم فيما بينهم، ولا ظهر في المسلمين عبر تاريخهم المجيد من يفتّ في أعضاد المجاهدين ويخذلهم عن الجهاد أبدا،
ولكنا اليوم نمر في ظرف صعب وما صعوبته إلا أننا رضينا بالهوان، وتشربنا الذل حتى أُتخمت بطوننا وعقولنا به،
ونظرا لما نحن فيه من الهوان فقد صرنا ننظر للمجاهدين على أنهم من كوكب آخر لا يمتون إلى كوكبنا بصلة،
وإن كان لنا شيء من الإحساس بهم فيتم عندنا التعبير عنه بإسقاط الدموع الباردة من جفوننا أو بتقديم فتات مما نملك ذرا للرماد في عيوننا وليس في عيون المجاهدين!!
لأننا بهذا نحاول جاهدين إقناع أنفسنا بأننا مع المجاهدين ونقدم لهم الغالي والرخيص، ونكثر في صلواتنا وتجمعاتنا من ذكر الحوقلة والحسبلة
وما يشبههما من أنواع الذكر الذي صار يستعمل اليوم كالمورفين المهدئ للقاعدين لا سيما وقد قُطع عن العمل،
وقد جعلتنا هذه الحالة لا نحسن قراءة القرآن إلا بالأصوات الجميلة ونظن أن هذه فريضة الله علينا تجاه كتابه،
وحتى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم نحسن التعامل معها إلا في محاولة إثبات أن هذا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا يصح، ثم تقف عقولنا عن تدبر القرآن والحديث.
وقد كنا تعلمنا في المدارس وحلقات العلم في المساجد وغيرها أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وما ذكره في القران بهذه الصورة إلا أنه كذلك،
ونجن نعلم ونتيقن ان القران محفوظ الى يوم القيامة فالجهاد كذلك،
ولكن الحال الذي نحن فيه وجهنا الى الاعتقاد بإمكانية حذف الجهاد من قاموس الحياة إرضاء للصهاينة ومن وراءهم،
فصار الذل الذي نحن فيه هوما يحكم تصرفاتنا،
وقد جاء في الأثر:
«إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
فهذا الأثر يصور ما نحن فيه حق التصوير، ويدلنا على كيفية الخلاص من هذا الذل والهوان الذي نحن فيه،
مستندا إلى كثير من آيات الله تعالى في كتابه التي تحثنا على أننا أمة تنبذ الهوان والمذلة،
والمراقب يرى بأم عينيه ويسمع بأذنيه أن ما آل إليه أمرنا في هذه الحياة هو بسبب تركنا لديننا وانحياز أكثرنا لأعدائنا نعينهم على أبنائنا وبلادنا،
وأن السبب الرئيس وراء ذلك كله هو ابتعادنا عن ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ومصدر وحدتنا وقوتنا،
والحافز لنا على أن نكون الأمة التي ينتظرها العالم للخلاص مما هو فيه من الأوزار.
واليوم ينبري فينا من يسهم في الإعلان الى المسارعة في حذف مصطلح الجهاد والقتال من مناهجنا الدراسية على اختلاف مستوياتها،
بل ويسعى الى هذا الحذف من حياتنا الاجتماعية كلها،
حتى نقدم لليهود أمة ضعيفة هزيلة غير قادرة على ان تدافع عن نفسها،
بل غير قادرة على استمرار الحياة بدون عون الصهاينة المحتلين،
وأضافت السياسة القائمة في البلاد العربية على محاولة هدم هذا المصطلح وتذويبه في المساجد وحلقات العلم،
وتمت السيطرة على خطبة الجمعة فصرت لا تسمع في خلال سنة كاملة سوى خمس خطب على الأكثر عن الجهاد والمجاهدين،
يريدون أن يوصلوا للعالم الصليبي أن هذه الأمة أمة سلام واستسلام وأنها لا تحب الجهاد ولا المجاهدين
وأن هؤلاء الإرهابيين قد أخرجناهم من قاموس حياتنا فشرفونا وارتعوا في بلادنا،
فلن تجدوا من يعكر عليكم صفو الرعي، لتأكلوا ما تشاؤون وتنهبوا ما تشاؤون،
وما علينا إلا أن نصفق لكم ونحييكم في بلادكم التي حرسناها لكم!!
وقد صدقت القائلة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له……..وتتقي صولة المستأسد الضاري
وصارت الامة في معظم امكنتها ونظرا لاستيلاء الجبن والوهن عليها تنادي المصلحين، أو تحول بينهم وبين ما أمرهم الله به كما جاء في القران العظيم:
{أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}
فلا تريد الامة أصحاب الطهارة المجاهدين، بل تريد المنافقين الذين انغمسوا في الكذب والدجل وحب الشهوات،
فجعلت منهم سادة فصرنا ننتظر القول المأثور: «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع»
ولما لا يكون اسعد الناس وهو يعيش ذليلا على شبع بطنه يحكم فيه غيره ولا يحكم، ليس عليه إلا الخدمة فلا جهاد ولا مجاهدون!!
وصرنا اليوم في زمان ما جاء به الأثر الذي يرفعه بعض الحفاظ بإسناد صحيح أو حسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
«سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين،
وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».
فيا لله من هذا الوقت الذي بدأت رائحة انتشاره تفوح.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد
تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور