د. حلمي الفقي يكتب: زوال إسرائيل حتمية توراتية قرآنية (1)

حين يظهر زعيم أوروبي أو رئيس أمريكي ويصرح لوسائل الإعلام بأن الغرب ملتزم بضمان أمن إسرائيل، يفرك الإسرائيلي يديه فرحا بهذه الحماية الوارفة، وتلك الراية السابغة التي تعمل بقوتها الباطشة، وغطرستها المتعجرفة من أجل كيانهم المحتل، وما درى المسكين أن زوال إسرائيل من الوجود وعد رباني، وأمر إلهي، تكفل به رب العالمين، ولذا فهو حقيقة لا شك فيها، ويقين لا مراء فيه، وهذا اليقين، وتلك الحقيقة، متجذرة ومتأصلة في وجدان الفريقين، ولا يمارى فيها الطرفين من اليهود والمسلمين، ولكن غرور الباطل، وسكرة القوة تعني الأبصار، وتطمس البصائر، وزوال إسرائيل حتمية قرآنية توراتية واقعية أكدها القرآن الكريم، وتوراة اليهود حتى التي حرفوها، وكل الحقائق والوقائع على الأرض تثبت صدق هذه النبوءة وحتمية هذه القضية.

أولا: هشاشة دولة إسرائيل

دولة الاحتلال تحمل في جسدها أعراض زوالها، وجراثيم فنائها، وأمراض خطيرة تعجل بزوالها، وعلى الرغم من ذلك لا يفتأ البعض من ترويج شائعات مكذوبة عن عبقرية اليهود، وتقدمهم، وسبقهم، وتحضرهم، وهذا عكس الحقيقة تماما، والسؤال الذى يفضح هذه الشائعات، ويدحض هذه الأكاذيب، هو هل تستطيع إسرائيل أن تعتمد على نفسها، وتقوم على ساقها، دون دعم من الغرب؟

والإجابة واضحة ومعلومة للجميع!!!

بل إن إسرائيل مع الدعم الهائل واللامحدود من أوربا وأمريكا في معركة طوفان الأقصى عجزت عن القضاء على المقاومة، وعجزت عن احتلال قطاع غزة المحاصر منذ قرابة عقدين من الزمان، فكيف لو كانت إسرائيل بمفردها دون دعم خارجي.

وضعف إسرائيل وهشاشتها ليس تحليلا سياسيا ولا رأيا علميا، بل هو قضاء إلهى لا مرد له، فقد فرض رب العالمين على اليهود التيه، والشتات، وأوجب عليهم الذل والصغار والمسكنة والمهانة أينما وجدوا، وحيثما ثقفوا، والواقع يثبت ضعفهم وجبنهم وخورهم، وأنهم لا شيء بدون الاستعمار الغربي، وأن إسرائيل ألعوبة في يد الغرب، فهي يده التي يبطش بها، وآلته التي يفتك بها، وهى ضالته التي ينشدها في دوام استعماره، واستمرار تنكيله ببلاد الإسلام، يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ﴾ [آل عمران: 112]

صدق الله رب العالمين، وكذب المنهزمون نفسيا، والمخدوعون عقليا، والمنبطحون فكريا الذين يروجون لأكذوبة التفوق اليهودي،

فلو رفع الغرب دعمه عن إسرائيل لسقطت بين عشية أو ضحاها، ولخارت قواها، ولعجزت عن الوقوف ساعة من نهار.

ثانيا: زوال إسرائيل حتمية قرآنية

تواترت نصوص القرآن الكريم التي تثبت زوال إسرائيل، وأنها دولة لا بقاء لها، وأن علوهم محكوم عليه بالفناء والزوال،

وأنها أسرع دول التاريخ زوالا، لأنها دولة قائمة على الظلم والاغتصاب، والظلم لا يدوم ولا بقاء له،

وقد مضت سنة الله في الكون بالقضاء على الظالمين حتى لو كانوا مسلمين،

فما بالك لو كانوا يهود محتلين غاصبين محاربين لدين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالي:

{وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتفْسِدُنَّ فِي الأَرَضِ مَرَتَيْنِ وَلَتَعْلُّنَّ عُلُواً كَبِيراً * فَإذَا جَاءَ وَعْدُ أولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أولي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤا وجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عدْتُمْ عدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرينَ حَصِيراً ﴾

(الإسراء: 4-8)

يقول الإمام ابن كثير في تفسيره:

يقول تعالى: إنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب، أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم ‌سيفسدون ‌في ‌الأرض ‌مرتين ‌ويعلون علوا ‌كبيرا،

أي: يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس كما قال تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} [الحجر: 66]

أي: تقدمنا إليه وأخبرناه بذلك وأعلمناه به.

وقوله: {فإذا جاء وعد أولاهما}

أَي: أولى الإفسادتين {بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد} أي: سلطنا عليكم جندا من خلقنا أولي بأس شديد،

أيْ: قوة وعدة وسلطة شديدة {فجاسوا خلال الديار} أي: تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم،

أي: بينها ووسطها، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا {وكان وعدا مفعولا}

ويبين المجمل، ويوضح المبهم، العلامة الكبير الشيخ الشعراوي فيقول في تفسيره لهذه الآيات:

وبعد ‌أن ‌أسكنهم الله الأرض وبعثرهم فيها، أهاج قلوب أتباعهم من جنود الباطل، فأوحَوْا إليهم بفكرة الوطن القومي،

وزيَّنُوا لهم أولى خطوات نهايتهم، فكان أن اختاروا لهم فلسطين ليتخذوا منها وطناً يتجمعون فيه من شتى البلاد.

وقد يرى البعض أن في قيام دولة إسرائيل وتجمّع اليهود بها نكاية في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا،

فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم: {عِبَاداً لَّنَآ}

يلفتنا إلى أن هذه الضربة لا تكون وهم مفرّقون مبعْثرون في كل أنحاء العالم، فلن نحارب في العالم كله،

ولن نرسل عليهم كتيبة إلى كل بلد لهم فيها حارة أو حي، فكيف لنا أن نتتبعهم وهم مبعثرون، في كل بلد شِرْذمة منهم؟

التجمُّع والوطن القومي

إذن: ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور وأيَّدتْها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام،

هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهِّل علينا تتبعهم وتُمكّننا من القضاء عليهم؛ لذلك يقول تعالى:

{فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104]

أي: أتينا بكم جميعاً، نضمُّ بعضكم إلى بعض، فهذه إذن بُشرى لنا معشر المسلمين بأن الكَرَّة ستعود لنا،

وأن الغلبة ستكون في النهاية للإسلام والمسلمين، وليس بيننا وبين هذا الوعد إلا أن نعود إلى الله،

ونتجه إليه كما قال سبحانه: {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [الأنعام: 43]

وهنا قد يرد سؤال على ذهن البعض عن تاريخ الإفسادتين، هل هما قبل الإسلام، أم بعد الإسلام؟

وهل إفساد بني إسرائيل الحالى، وعلوهم وظلمهم الواقع والمشاهد حاليا من الإفسادتين أم لا؟

ويجيب القرآن الكريم هؤلاء المتعبين إجابة تبرد قلوبهم، وتملأ باليقين أرواحهم، بأن رب العالمين تكفل بالقضاء على بني صهيون مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك كلما عادوا إلى الفساد والظلم،

قال تعالي: {وإن عدتم عدنا} وإن عدتم بني صهيون إلى الظلم عدنا عليكم بالعقوبة،

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره:”‌وإن ‌عدتم ‌إلى ‌المعاصي عدنا عليكم بأشد مما أصابكم يعني من القتل والسبي”

وقال صاحب الظلال رحمه الله تعالي:

(ولقد صدقت النبوءة ووقع الوعد، فسلط الله على بني إسرائيل مَنْ قَهَرَهم أول مرة، ثم سلط عليهم من شردهم في الأرض، ودمر مملكتهم فيها تدميراً”، ثم يقول رحمه الله:

ويعقب السياق على النبوءة الصادقة والوعد المفعول، بأن هذا الدمار قد يكون طريقاً للرحمة ﴿عَسَى رَبُكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾

إن أفدتم منه عبرة، فأما إذا عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض، فالجزاء حاضر والسنة ماضية ﴿وَإنْ عدْتُمْ عدْنَا﴾

ولقد عادوا إلى الإفساد، فسلط الله عليهم المسلمين، فأخرجوهم من الجزيرة كلها، ثم عادوا إلى الإفساد، فسلط الله عليهم عباداً آخرين،

حتى كان العصر الحديث، فسلط عليهم هتلر، ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة (إسرائيل) التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات،

وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب تصديقاً لوعد الله القاطع، وفاقاً لسنته التي لا تتخلف، وإن غداً لناظره لقريب)

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights