د. حلمي الفقي يكتب: فريضة الزكاة
كانت دولة الإسلام في المدينة المنوّرة هي أول دولة في تاريخ البشرية تشن حربا من أجل الفقراء، كان ذلك في القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، وفي عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق، أول رئيس دولة منتخب في العالم، حين بعث الجيوش لمحاربة مانعي الزكاة، وقال قولته المشهورة: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدّونه لرسول الله لقاتلتهم عليه.
وذلك لأن أداء الزكاة هو الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين وإقامة الصلاة، وجاء في صدر القرآن بيان أهميتها في شريعة الإسلام قال تعالي: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣﴾ [البقرة: 1-3].
وقُرنت الزكاة بالصلاة في أكثر من ثلاثين موضع في القرآن الكريم،
قال تعالي: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ ٤٣﴾ [البقرة: 43].
ولأهمية الزكاة في الإسلام جاء الوعيد الشديد لمن بخل بها أو انتقص منها في القرآن الكريم، والسُّنة المطهّرة، قال تعالي: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [آل عمران: 180]
وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون﴾ [التوبة: 34، 35].
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ آَتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَمْ يُؤْدِ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزَمِتِيهِ، يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ”
رَوَاه مُسْلِمٌ.
الأموال التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في أربعة أشياء:
الأول: الزروع والثمار،
فتجب الزكاة في كل ما خرج من الأرض، لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾. [البقرة: 267]. وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾. [الأنعام: 141]
والواجب في كل ما خرج من الأرض10% عشر في المائة إذا كان يسقي بماء المطر، و5% خمسة في المائة، إذا كان بآلة سقي،
إذا بلغ الخارج النصاب أي حد الغنى ونصاب الزروع بالوزن 612 كيلو جرام. وبالكيل خمسين كيلة
الثاني: زكاة النقود، كالذهب والفضة والأوراق النقدية
لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. [التوبة: 34]
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يُؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحميَ عليها في نار جهنم فَيُكوى بها جَنبه وجَبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد”.
والمراد بحقها الزكاة لأنه ورد في رواية أخرى: “ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته)؛ [رواه مسلم]
ويجب فيها 2.5% اثنان ونصف في المائة، إذا بلغت النصاب وهو خمسة وثمانون جرام ذهب، أو 595جرام فضة، أو ما يعادلها من الأموال
الثالث: زكاة التجارة، وأدلة وجوب زكاة التجارة ما يأتي:
1 – قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة:267] قال مجاهد: نزلت في التجارة.
2- ومن السنة ما رويَ عن سمرة بن جندب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع» رواه أبوداود.
ويقصد به كل ما تم إعداده للبيع والشراء، من أي سلعة من السلع عقار أو منقول، فيتم حساب قيمة السلعة بثمنها يوم التقييم، لا يوم الشراء، وتجمع كل السلع إلى بعضها، ويضاف عليه ما معه من مال، فإذا بلغت النصاب وهو ما يعادل قيمة: خمسة وثمانون جرام ذهب، أو 595جرام فضة، فإذا بلغت النصاب أن يخرج زكاتها وهو 2.5% اثنان ونصف في المائة، فإن زاد فهو مستحب، وإن نقص كان حراما وإثما عظيما، وفي التقييم يجب أن يراعي الطريقة الأحسن للفقراء.
الرابع: زكاة الأنعام:
لحديث معاذ المتضمن نصاب زكاة البقر، والذي رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، ولإجماع العلماء على وجوب الزكاة في الأنعام، والأنعام هي الإبل والغنم من ضأن، أو ماعز، بشرط أن تكون سائمة، وأن تتخذ للدرِّ والنسل، والتسمين، لا للعمل؛ فإن الإبل المعدَّة للعمل والركوب، والسقي، وبقر الحرث والسقي لا زكاة فيها عند جمهور العلماء، وأن تبلغ النصاب، والسائمة، وهي التي ترعى في مراعي عامة بلا تكلفة، فإن لم تكن سائمة ففيها زكاة عروض التجارة، في الواجب، والنصاب، وأما زكاة الأنعام فنصابها كالتالي:
ا – الإبل: أقلُّ النصاب فيها خمس، وفيها شاة،
ب – البقر: أقل النصاب ثلاثون، وفيها تبيع (أي بقرة عمرها سنة).
ج – الغنم: أقل النصاب أربعون، وفيها شاة
فإن زادت ففيها تفصيل في مظانه من كتب الفقه.
مصارف الزكاة:
الزكاة فريضة شرعية فلا تُصرف إلا في المصارف التي حدّدها الشارع في قوله تعالي: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٦٠ ﴾ [التوبة: 60]
والفقير:
من لا يجد ضروريات الحياة وهو أسوأ حالا من المسكين.
والمسكين:
لا يجد ضروريات الحياة، لكنه أحسن حالا من الفقير، لكن لا يستطيع تلبية حاجاته الضرورية.
والعاملين عليها:
وهم من يعينهم الحاكم للقيام على جمع الزكاة وحفظها وتوزيعها
والمؤلفة قلوبهم:
وهم ذوي الرأي، أو السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه، أو قوة إيمانه أو إسلام نظيره، أو الدفع عن المسلمين أو كفّ شره.
وسهمهم باقٍ لم ينسخ وأنهم يُعطَون من الزكاة ما يحصل به تأليفهم على الإسلام ونصرته والدفاع عنه، ويُعطى هذا السهم للكافر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أميَّة من غنائم حنين.. [رواه مسلم]
وفي الرقاب:
وهم الرقيق قديما، وفي الوقت الحالي يمكن إعطاء الشعوب التي تحت الاحتلال من هذا المصرف،
وأما بالنسبة لأهل غزة في حرب الإبادة التي تشنها عليهم دولة الاحتلال فيجوز إعطائهم من زكاة الأموال، لاعتبارات كثيرة، ليس هنا مجال عدها.
والغارمين:
هو المدين العاجز عن السداد
وفي سبيل الله:
المجاهد فى سبيل الله
وابن السبيل:
المسافر الذي انقطع به الطريق ولا يجد مالا يصل به إلى بلده.