د. خالد سعيد يكتب: المرأة وأسر المصطلحات الوافدة
أدي انتشار وترسيخ المصطلحات الوافدة إلى تدهور خطير في الحالة الاجتماعية في مصر خاصة، وأكثر الفئات تضرراً بها كن النساء، فقد سيطرت تلك الاصطلاحات الدخيلة على المرأة نفسياً بشكل عميق، وتحولت إلى ما يشبه العقيدة الراسخة عند كثير منهن، تحت الضغط الإعلامي ووقوف جهات رسمية مثل المجلس القومي للمرأة وغيره وراء هذه الموجة.
ومعلوم أن المصطلحات وليدة بيئاتها وأن المركب أو المكون الثقافي لأية أمة يكون فريداً من نوعه ومناسباً لطبيعتها الاجتماعية، وبيئتها الجغرافية، وانحيازاتها الدينية، وأصولها العرقية وغيرها من مفردات يعرفها دارسوا الأنثروبولوجيا (وأنا منهم).
وهذه المكونات لا يصلح انتزاعها من سياقاتها وإلا مثلت “تشوها ثقافياً”، وأنا هنا لست ضد “نظرية الانتشار الثقافي” كما قد يظهر من كلامي ولكن تلك النظرية لها أصول وقواعد أخرى لا تناسب في السياق هنا.
ومن هذه المصطلحات التي دخلت مع موضة التنمية البشرية -وهي مستوردة كما هو معروف- وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ الاحتواء، والأمان، والاهتمام وغيرها، ولا أتحدث عن هذه المفردات بعينها فهي ألفاظ عربية وإن استخدمت حديثاً في غير دلالتها من المعجم، وإنما أعني ما صارت تحمله بالوضع مع الوقت من مضمون طوبوي ومثالي وحالم!
وقبل أن أناقش خطورة تلك الحالمية أضرب مثالاً بلفظ “الحب” مثلاً وما يحمله من مضمون في الثقافة الغربية المعاصرة؛ وهو في أصله شعور وعاطفة أفاض العرب في السباحة معها، وأفردوا لها القصائد الطوال حتى ابتدأوا بها أكثر أشعارهم مهما كانت أغراضها الشعرية، لكنه في الثقافة الغربية يعني “علاقة جسدية” محضة حتى جعلوا الحب “ممارسة” كما يقولون، مما لا يناسبه في أدبنا العربي إلا “المتجردة” للنابغة الذبياني مثلاً!
وأي أمان واهتمام واحتواء من الزوج إن أحسن العشرة؛ أفضل من أن يختار امرأة معينة شريكة لحياته “بكلمة الله” ، وترتكز علاقته بها على “الميثاق الغليظ” ، ويرتضيها عنواناً لشرفه وحارسة على عرضه، وأماً لأولاده بما تعنيه كل تلك العناوين من قيمة للعربي المسلم!
إن نفس هذه المصطلحات احتاجتها المرأة الغربية لأن حضارة بلادها وثقافتها وقناعاتها الدينية والأخلاقية؛ ارتضت لها أن تبيت في فراش رجل كل يوم، فافتقدت كل تلك الركائز والمضامين التي ذكرتها، واحتاجت لمفاهيم أخرى تعوض الفقد الروحي والنفسي لكل منطلقات ومميزات المرأة الشرقية المسلمة، وأتحدث هنا عن البيئات السوية في مجتماعتنا لا المتدنية، والأوضاع الأقرب لأصولنا الإسلامية والعربية، مع تفهمي الكامل للانحرافات والظلم الذي تتعرض له المرأة في الأوضاع المنحرفة عنها.
فهذه المصطلحات الوافدة بمضامينها اللقيطة والناتئة عن ثقافتنا، لا تكمن خطورتها في الحلم أو المثالية خاصة إن تواكبت مع الواقعية والتصور السليم المبني على أصوله التربوبة والشرعية والثقافية المناسبة للمجتمع، ولكنها تمثل دماراً لنفسية المرأة وتصورها في التعامل مع كيان الأسرة بما يشمله من الزوج والأولاد، ويرجع ذلك إلى التحليق بعيداً في خيال وهمي وغير واقعي، يتبعه السقوط في بئر الواقعية وعقباتها ومعوقاتها، بالإضافة إلى ما يكسبه للمرأة من أنانية واسترجال في كثير من الأحيان.