د. خالد سعيد يكتب: د. سعيد عبد العظيم في قوافل الراحلين
رحم الله فضيلة الشيخ سعيد عبد العظيم السكندري السلفي، والذي كان أحد رموز مصر وشيوخها، برز دوره فترة التسعينيات كأحد رموز الدعوة السلفية بالإسكندرية، وأحد وجوه السلفيين بمصر بشكل عام.
كان الشيخ محل احترام واعتبار كافة المنتمين لهذا التيار رغم الاختلاف بين مدرستي القاهرة والإسكندرية، ورغم تميز تلك الفترة بالعصبيات بين المدرستين، ودور سلفية الإسكندرية خاصة في منابذة التيار الجهادي رغم كونه سلفياً أيضاً فقهياً واعتقادياً على الأقل وإن اختلف عملياً.
لم أتشرف بالتعامل مع الشيخ الكريم إلا بعد ثورة يناير؛ إذ فوجئت يوماً باتصاله شخصياً بي بعد صلاة العشاء وكان عائداً إلى الإسكندرية، وقد أقنع المجلس العسكري بعض مشايخ الهيئة الشرعية؛ أننا مصدر خطر محتمل في حالة إقصاء الشيخ حازم أبي إسماعيل من انتخابات الرئاسة، إذ ادعى المجلس توقع أحداث عنف في هذا التيار كما ادعى أن الجبهة السلفية هي الجهة المنظمة الوحيدة القادرة على قيادة تلك الاحتجاجات العنيفة في حال وقوعها!
تطوع بعض المشايخ المتحمسين للمجلس العسكري بانتداب من يكلمنا بهذا الخصوص، وزعموا أو “اثنان منهم” تحديداً؛ أننا كنا قد خرجنا من عبائتهما -وهما اثنان من شيوخ القاهرة- والأجدر أن يكلمنا غيرهما.
لم يكن هذا صحيحاً على أي حال لكن د. صفوت حجازي اتصل بي صباحاً للنقاش معي في الموضوع، وذلك لصلته الوطيدة بنا واحترامنا له بسبب صحبة الميادين منذ بدايات الثورة، وأخبرته موقفنا بوضوح.
وعندما هاتفني الشيخ سعيد عبد العظيم وجدته رجلاً كبيراً بحق، فالرجل واضح ومباشر وصريح، لا يلجأ أبداً لأية أساليب صغيرة، فلا لف ولا دوران ولا تكلف، ولا إخفاء لمعلومات أو إدعاء لفوقية، والأبرز من وجهة نظري؛ أن الرجل عقائدي ولائي للإسلام فقط، وكان بعض “شيوخ عقدة استوكهولم” إذا لقي أحدهم المجلس العسكري يتحدث بفخر وكأنه عاد من مجالس الكبار، ويعين نفسه مسؤولاً عن سرية الاجتماع كواحد ممن اولاهم المجلس ثقته الغالية.
لم يكن الشيخ سعيد كذلك وإنما كان يحذرني ويكرر عدة مرات أن هؤلاء القوم خطرون ومجرمون وربما يبطشون بالإخوة من هذا التيار عموماً في حال وقوع مواجهات، كان يحذرنا بصدق وحرص ولا يقصد تخويفنا، وكان يرى أن خيار التهدئة أولى وأن التيار الإسلامي يمتلك الفرصة بمرشحين آخرين مثل د. مرسي وينبغي تركيز الجهود في دعمه، بدلاً من إهدارها في مواجهات قد لا تكون في صالحنا، وأتحدث هنا عن خيارات الشيخ دون تعليق مني الآن.
وعندما انتهينا استأذنني أن يكمل حديثه معي بعد وصوله للإسكندرية لعدم قدرته على الحديث بسبب وعثاء السفر، وبالفعل فقد اتصل بي في اليوم التالي، ثم قال لي في آخر الحوار: لا أملك إلا أن أقول لك أنهم أخبروني عنكم أنكم مجرد شباب متهورون، وأنا لا أعرفكم إلا من التلفاز، ولكنني وجدتكم بخلاف ما قال المشايخ تماماً، سامحهم الله ثم أثنى على مواقفنا وتصوراتنا، مع طلب منه أن نلتقي لمزيد من التعارف.
ثم حدث أن شرفنا فضيلته بالزيارة بمدينة المنصورة، والتقينا في جمع عام في استضافة أحد إخواننا الكرام، ليفاجئني الشيخ مرة أخرى بعناق طويل وثناء لا أستحقه، ثم طلب أن نجلس سوياً لفترة حدثني فيها ببعض أمور، هذا وأنا لا أعدو كوني واحداً من إخواني ولا أرى لنفسي مزية، كما أنني في مصاف تلاميذ الشيخ وأبنائه، وهذا اللقاء حضره العشرات وهو مسجل عندي وأظنه فقد ضمن مفقودات المداهمات الأمنية في بيتي.
هذا الخلق الكريم والتواضع الجم، أضافه الشيخ إلى الذكاء وتوقد العقل فليس هو ممن يسهل توجيهه بخلفيات مسبقة، أو يستمع القول فلا يميز غثه من سمينه، ولا يغره التفاف اللئيم ولا يفوته قول الحكيم.
ثم اتخذ الشيخ موقفه المشرف ليختم به حياته؛ بمفارقة أهل الزيغ من عصابة الشر الذين أُسقِطوا فيها على الشر من علٍ، أولئك أولياء الظلمة قبل الانقلاب العسكري وبعده، وتحمل في سبيل ذلك الكثير من التشنيع والإساءات والصعاب، حتى أكرمه الله بمجاورة رسول الله ﷺ في آخر سنوات حياته العامرة والعاطرة بالدعوة والعلم والعمل، فرحمة الله عليه ومشايخنا وموتانا وصالح المسلمين والمؤمنين.