د. خالد سعيد يكتب: صدى مؤتة: أمت يا منصور أمت
َإن الذين ترهبهم التضحيات، ويظنون أنهم يعاملون الله ﷻ معاملة عددية، أو بمثاقيل الموازين كيلاً بكيل؛ لم يفقهوا معنى قوله تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)، ولم يفهموا معنى الغلبة فيها!
وهل يكون النصر وتكون الغلبة بغير التضحيات والدماء، وهل توقع القلة في صفوف الكثرة أعداداً أكثر من القتلى والجرحى إلا نادراً وليس هو الأصل، ويكأن زيداً وجعفر وابن رواحة يشخصون أمام ناظري في دمائهم إذ هم يسخرون من جحافل الروم.
إِن النصر هو الثبات على القيم والمعتقدات الراسخة، والمبادئ التي من أجلها يعيش الإنسان، تجد ذلك في سورة البروج مسطوراً في الكتاب.
إنَّ النصر هو أن تحقق هدفك ولو كنت مثجباً بدمك، كما صاح صاحب رسول الله ﷺ صيحته الخالدة: “فزت ورب الكعبة”، وهو يغترف من دمه الثجاج بيديه على وجهه ورأسه.
إن النصر أن يخفق عدوك في تحقيق غايته وهدفه من قتالك وقتلك، فيقتل “رجلاً” مسلماً واحداً فيسلم عشرون ألفاً أو يزيدون ولو حرقوا في الأخاديد، ويؤمن السحرة ولو أن يعلقوا في جذوع النخل.
أن يتوعدك بالقضاء عليك فتقاتله حتى آخر لحظة قتال الند بالند والفذ بالفذ، ويتعهدك أن يخرج قطيع أسراه عنوة فلا يستخرجهم إلا بالفضل والنسيئة؛ واحداً بخمسين.
ولو قيس تعداد صرعى العدو وجيفه المنتنة خمسة آلاف في مقابل خمسين ألفاً من شهدائنا؛ إلى فارق القوة والعتاد، فهو لعمر الله نصر يتحدث به العالمون ما بقي الليل والنهار.
وكفاكم أنكم متم على أرضكم ودفنتم في ثراها، ومات هو غريباً عنها وعن بلاده التي لفظته وألقت به إلينا أول مرة كالوباء، قبل أن يكتشف أبو إبراهيم علاجه يوم السابع العظيم.