د. خالد سعيد يكتب: غيرة إيمانية أم نزغات شيطانية!
حينما أرى وأعاين تلك الفتن المتبادلة بين المسلمين، وافتعال حالة من العداوة والإهدار والشيطنة تجاه أي تجربة إسلامية ناشئة من داخل الصف الإسلامي نفسه، بحيث تجتمع عليها عداوة المجرمين وعداوات بعض المسلمين؛ تحضرني حالة شعورية لا يمكنني وصفها!
يعتصر قلبي الألم، وتأخذ نفسي الحيرة، وأحاول أن أتفهم الحالة النفسية لكلا الطرفين وأغوص في أعماقهما، لعلي أتفهم دوافعهما، وأستشرف ردود أفعالهما.
تحضرني صورة الصفي النقي عليّ ابن أبي طالب وهو يستلم ذمار عصية لا تسلم قيادها، ولا تعطي ذمارها، يعالج عمياء جونة ترى العدل جوراً، أين، لا أين تذهب!
وتحضرني نفسية خصومه الذين ينشدون العدل، ويبتغون الحق -بعضهم على الأقل- وهم يندفعون ضد هذا الإمام لمنازعته وإسقاط حكمه، إذ هو العدل المحض والحق الصرف، فعلي مع الحق والحق مع علي؛ بذا ورد الخبر، ونطق سيد البشر ﷺ.
لكنهم يظنونه ظالماً ويحسبونه جائراً، ويبغونه العنت ويكلفونه أن يحمل الأمة على ما لا تطيق، أو يحتنكهم الحسد وتجتالهم البغضاء، فينفسونه عليها نفس التيوس في البرية، فيأتلق كالنجم العيوق، ويعرض عنهم كالشهم العيوف.
عندما ترعى الذئاب الغنم
لا أدري كيف ولماذا حين أشاهد مثل هذه الأمور استحضر العلاقة بين الشيطان والإنسان، وخطورة تسلطه على المسلمين أو حتى المؤمنين،
وتمثل أمام عيني صفحات من التحفة الموفقة التي سطرها رفاعي سرور رحمه الله: «عندما ترعى الذئاب الغنم»،
في محاولة فك الاشتباك، ومعالجة الالتباس في جدلية العلاقة بين الإنسان والشيطان، ورد الظواهر إليها.
فهذه الفتن والشحناء ومحاولات الإسقاط لأية تجربة إسلامية جديدة؛ هي حالة من حالات التسلط يدفع اليها إبليس لعنه الله،
وتحريش بين المؤمنين لتجتمع كل عناصر إسقاط التجربة، من داخلها وخارجها.
فأولياء الشيطان أنفسهم في حالة تحريض متبادل مع وليهم الملعون، يؤزهم ويؤزونه،
وهؤلاء لا شك في عدواتهم وتمحض مقاصدهم في الإجهاز على أي مشروع إسلامي كائناً ما كان.
وأما المناوئين والمحرضين من داخل الصف الإسلامي نفسه، فهم مندفعون بحمية الإيمان، منساقون مع حرارة الغيرة على حرماته وثوابته،
لكن دخناً ودخلاً خالط في نفوسهم تلك الحالة دون أن يشعروا، فهمز فيها ونفخ ونفث، حتى أجج فيها النار،
وجعلها حالة من السعار المحموم، فصار حال أحدهم كحال المعتصم وهو يقول لجلاده الذي يسلق إمام السنة بالسوط: اشدد قطع الله يدك!