مقالات

د. خالد سعيد يكتب: في ذمة الله ما ألقى وما أجدُ

بلغني خبر وفاة فضيلة الشيخ أبي إسحق الحويني، وهو أحد أكبر وأبرز أهل العلم بالحديث رواية ودراية في زمننا بالديار المصرية من غير الأزهريين.

حضرت لشيخنا رحمه الله مئات المرات ما بين درس ومحاضرة، في مجمع التوحيد بالشناوي، والجمعية الشرعية، ومجمع الإيمان، ومسجد ابن تيمية وغيرها، وتشرفت بمجالسته مرات.

وقد كان الشيخ رحمه الله متفرداً برقة القلب ولين الجانب -من وجهة نظري- بين من تشبعوا بهذا العلم في مصر وربما في غيرها؛ إذ كنت أجد في أكثرهم شدة وجفوة، وميل عن المذاهب الفقهية المشهورة عند أهل الحديث والرأي، وتفرد في أصول النظر في الأصول والفروع، لا تنهض إلى «لا مذهبية» الشوكاني، وظاهرية ضحلة لا ترقى إلى “ظاهرية” ابن حزم.

كان الشيخ حسن الخلق لين الجانب رقيق الطبع ثاقب الفكر حاضر الذهن، يستظهر الأحاديث استظهاراً، ويروي أسانيدها ويعرف رجالها دون وهم أو خطأ يُذكر، فقد كان محققاً مدققاً، رغم أنه قليلاً ما يخالف الشيخ الألباني، ويجمع بين أطراف الأدلة، ويفتي بالراجح وما قام عليه الدليل.

لم يركن يوماً لظالم أو يخذل مظلوماً، وكان على طريقة شيوخ السلفيين القدامى بمصر، ينصرون الإسلام ويوالون ويعادون فيه، ويؤمنون بحاكمية الشريعة واتباع الرسول ﷺ، ويعظمون الأمر والنهي، ويوقرون سلف هذه الأمة.

مضى وبقيت في نفسي سؤالات لم أسأله عنها قط، وأقضيات لم أجرؤ على طرحها عليه أبداً، مات ولم أعرف لماذا كان دائم الشرود من ساعة رأيته، ولمَ كانت عيناه تلمعان بالحَزَن منذ عرفته، وفيم كان يئن قلبه بالوهن مذ حضرت مجالسه شاباً!

والحمد لله الذي توفاك في هجرة في سبيله لموقف اتخذته لله، حتى إذا نظر إليك لم يرك في شق الظالمين، فلم تحشر معهم ولم تدخل مدخلهم، وولد لم يحضرك ولم تره في سجون الفسدة ما سجنوه إلا لدينه، وهو بعض ثمرتك وامتداد أجرك.

مت غريباً ليقاس لك من موضع مولدك إلى منقطع أثرك في الجنة، كما في رواية النسائي التي حسنها شيخك الألباني.

جزاك الله عن سنة نبيه خيراً فقد أعدت سيرة الأولين من خدم رسول الله ﷺ وحراس كلامه الجامع الشريف، ونشهد الله أنك كنت عليه أميناً.

د. خالد سعيد

أحد أبناء الحركة الإسلامية - مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى