الأحد أكتوبر 6, 2024
مقالات

د. خالد سعيد يكتب: لا تنظر بأعينهم بل افقأها لهم

مشاركة:

 شاهدت انتقاد بريغوجين للجيش الروسي والدولة الروسية بمنتهى الحدة عدة مرات؛ أثناء مشاركته وقواته في الحرب الأوكرانية الروسية، واتهمها بعدم تمويل قواته بالسلاح مرة، وبعدم اهتمامها بجنوده وقواته مرة أخرى، والأخيرة بأنهم هنا يموتون وقد ينسحبوا إن لم تصلهم الإمدادات اللازمة، كما أظهر احتفاله أمام وسائل الإعلام بعد أحد الانتصارات ومعه بعض القيادات التابعة له مع التأكيد على أن هذا النصر حققته فاغنر فقط وليست القوات الروسية!

والغريب أن أحداً لم يعلق على هذه المفارقات غير المتسقة، ربما لزحام الأخبار الواردة من ساحات المعارك، وربما ظن المحللون والسياسيون والإعلاميون أن الأمر هو نتاج تنسيق متبادل مع روسيا، وربما لم ينتبه البعض لذلك، مما يعني أن الجميع تردد أو تغافل عن دلالة واضحة في سياق أحداث جسيمة خوفاً من التورط في تحليل قد يتضح خطؤه فيما بعد، فتورط في الجبن التحليلي والتغابي العقلي بدلاً من ذلك!

ولذلك لم أتعجب حين انشق عن سلطة موسكو بل واشتبكت ميليشيا فاغنر مع الجيش الروسي مع احتلال مساحات تحت سيطرته، بل وتهديد موسكو!

واليوم تسقط طائرة قد يكون بريغوجين على متنها؛ مما يعني التخلص منه، وليس هذا مستبعداً إن صح أنه كان أحد ركاب تلك الطائرة، وعلى الفور انطلقت أخبار عديدة تنفي وتشكك وأخرى تؤكد وهكذا، وسنسمع خلال الساعات القادمة أخباراً غيرها بلا شك، وكل هذا يعني أنها محاولات تشتيت للقضية حتى تتم السيطرة على آثارها والتعامل مع تداعياتها.

خلاصة ما أريد أن أقول؛ أن مواقع التواصل أورثت العقلاء والمحللين وذوي الرأي الجبن في إبداء الآراء مخافة الخطأ، مع أن الفرق بين إبداء الرأي أو إعلان التحليل أو الربط بين الأحداث وبين إدعاء امتلاك المعلومة؛ واضح ولا يحتاج إلى شرح، وبالتالي فلا مشكلة في ظهور عكسه.

ومن لازمة القول: أن كتائب الإرهاب الفكري تلك قامت بتحريم وتجريم امتداح الخير في أي شخص لا يوافق أهواءها المريضة، خاصة إن كان لهم معه -بحق أو باطل- خصومة ما، ذلك أنهم يظنون المدح الجزئي تعديلاً لمن تمدح بالكلية، ذلك أن نفسياتهم حدية كالخوارج والمرجئة؛ ترى الخير شيئاً واحداً أو حداً مطلقاً كلياً لا يتجزأ، وهو عندنا أجزاء في زيادة ونقصان.

مع أنه من العدل والعقل والخلق السليم بل ودلالة الشرع؛ أن يُمتدح الخير والحق والعدل في أي كان؛ فقد امتدح رسول الله ﷺ ابن جدعان، والمطعم ابن عدي، وحاتم الطائي، وأصحاب حلف الفضول، والنجاشي قبل إسلامه، وغيرهم ولم يعني ذلك قبول كفرهم كله أو غيره من جوانب الشر فيهم، كما لم يُتهم أنه يخطب ودهم “لمصلحة شخصية” نزهه الله عن ذلك.

الخلاصة قل رأيك المبني على وقائع ولو لم يسبقك به أحد، ولا يضرك شيء إن أخطأت طالما لم تدعي النبوة، ولم تزعم أن رأيك هذا معلومة موثقة من مصادرها، وكن حراً في عقلك وشخصك، ودع عنك الرعاع والأتباع، وامدح من شئت إذا ارتأيت فيه خيراً ولو كان خصمك، فإن الحجر الفكري لا ينبغي أن يكون للعقلاء وإنما للمجانين!

Please follow and like us:
د. خالد سعيد
أحد أبناء الحركة الإسلامية - مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *