د. خالد سعيد يكتب: معركة المولد
اقترب الموعد الراجح لمولد سيدنا محمد رسول الله ﷺ، واقتربت معه معركة المولد في كل عام ورفعت راياتها ودقت طبولها، معركة يحضر فيها كل شيء في نفوس طرفي العراك إلا صاحب المولد نفسه ﷺ، ذلك الذي لم يغب قط.
هو في نفوسنا هناك قابع في حنايا النفس، قاطن في غرف القلب، حي في قبره يرد السلام على أحبابه، متحرك في واقعنا، متجلٍ في أفعال كل متسنن؛ تشهده في أفعال العُباد، وتراه في وجوه الزهاد، وتسمعه في أصوات حفظة القرآن، فهو هنا يتوضأ وهناك يصلي وعند كل صدقة يخرجها مؤمن بيمينه فلا تعرف بها شماله، وفي تمتمات المسبحين وهتافات المكبرين؛ وفي دندنات طلاب الجنة والمتعوذين من النار، وبين صليل السيوف في كل مواجهة بين الجاهلية والإسلام، نسخ حية بالملايين من أتباعه يزداد وضوحها أو خفوتها بحسب كلما زاد الحب أو نقص.
بينما أولئك مشغولون في عراكهم وضجيجهم الطفولي بعيداً عن ذلك العظيم الكريم وسيرته ومولده، فهما فريقان وبينهما أتباع وأشياع.
فأما الفريق الأول:
فأكثر المنتسبين إلى السلفية، وهي فرصتهم لإثبات دفاعهم عن السنة واحتكارهم لها، وفي سبيل ذلك لا ينتبهون إلى جفوتهم لرسول الله ﷺ وآل رسول الله ﷺ، وغلظة قلوبهم عليه وعليهم.
فهي معركة “آمنة” بعيدة عن محك الصراع المحرق بين الجاهلية والإسلام، والذي أشعله رسول الله يوم قال: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ولذلك بقي أولئك بعيدين عنه، يخوضون معركة غنائمها ليست لهم؛ إذ هي معركة تحرم الاحتفال بالمولد بدعوى البدعة؛ بينما تتغافل عن الاحتفال بالعيد القومي، وجلوس الحكام على العروش، بدعوى طاعة ولاة الأمور!
وأما الفريق الثاني:
فهو فريق الشيوخ والعلماء الرسميين، يجدونها فرصة لإعادة إظهار حبهم للنبي ﷺ الذي يحتكرونه، في مقابل جفوة الآخرين وغلظتهم؛ بينا هيمت قلوبهم في كل واد، وتاهت وشطحت عقولهم في كل خرافة بدعوى حب النبي ﷺ، وما جاء رسول الله ﷺ إلا بنفي الخرافة ونفي التحاكم إلى الجبت بعد الطاغوت والنهي عنه.
ويمررون في هذا المولد وتحت ستار الدخان ووسط ضجيج الطبول كل منكر، ويخفون ولاءهم للطاغوت وتسبيحهم بحمده ليل نهار من دون الله، ويغطون عورة مخالفتهم للسنة وسوءة اقترافهم للمحرمات.