د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: إن من البيان لسحرًا

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي.. درس ‏تخصص تفسير القرآن وعلومه‏ في ‏كلية الدراسات الإسلامية‏

عندما كتبت عدة مقالات بعنوان (في كل وادٍ يهيمون) العام الماضي؛ كنت أكتب في رحاب هذا الجزء من الآية الكريمة من سورة الشعراء، وليس هجومًا على الشعر والشعراء..

فالعبارة تستحق منا التأمل والتدبر.. بهدف استخراج الفوائد والوقوف على عظمة النصّ وعلو الأسلوب.

فمحبكم يحب الشعر والشعراء الصالحين ويبكيه من الشعر في قديمة وحديثه ما يمكن أن أذكر طرفًا منه هنا كتقدمة لما كنت وعدت به العام الماضي ردًّا على طلب بعض الفضلاء عندما قلت عن الشعراء الصالحين الذين استثناهم الله تعالى في نفس السورة الكريمة في قوله:  {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات..} بعد قوله: {والشعراء يتبعهم الغاوون} الآية؛ بأني سوف أكتب عن هؤلاء الشعراء الصالحين، وأدلّل بنماذج من ذلك إذا فسح الله في العمر.

فأقول: أذكر ذات مرة في شبابي إنني أخذت أردد أبياتًا لأبي نواس كان قد كتبها قبل موته، وكانت معي في ورقة في جيبي، استخرجتها من جيبي وأخذت في قراءتها وأبكي من قبل أن يتحرك القطار من القاهرة.. ثم مكثت أكرّرها ولم أدخل الورقة في جيبي مرة أخرى حتى توقف القطار في محطة سيدي جابر بالإسكندرية.. يقول أبو نواس فيها:

أَيا مَن لَيسَ لي مِنهُ مُجيرُ

                  بِعَفوِكَ مِن عَذابِكَ أَستَجيرُ

أَنا العَبدُ المُقِرُّ بِكُلِّ ذَنبٍ

                وَأَنتَ السَيِّدُ المَولى الغَفورُ

فَإِن عَذَّبتَني فَبِسوءِ فِعلي

                      وَإِن تَغفِر فَأَنتَ بِهِ جَديرُ

أَفِرُّ إِلَيكَ مِنكَ وَأَينَ إِلّا

                     إِلَيكَ يَفِرُّ مِنكَ المُستَجيرُ

ومثلها في مناسبة أخرى مع أبيات لأبي العتاهية يقول أبو العتاهية فيها:

إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي

                    مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي

وَما لي حيلَةٌ إِلّا رَجائي

         وَعَفوُكَ إِن عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنّي

فَكَم مِن زِلَّةٍ لي في البَرايا

                وَأَنتَ عَلَيَّ ذو فَضلٍ وَمَنِّ

إِذا فَكَّرتُ في نَدَمي عَلَيها

          عَضَضتُ أَنامِلي وَقَرَعتُ سِنّي

يَظُنُّ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي

              لَشَرُّ الناسِ إِن لَم تَعفُ عَنّي

أُجَنُّ بِزَهرَةِ الدُنيا جُنوناً

                 وَأُفني العُمرَ فيها بِالتَمَنّي

وَبَينَ يَدَيَّ مُحتَبَسٌ طَويلٌ

                    كَأَنّي قَد دُعيتُ لَهُ كَأَنّي

وَلَو أَنّي صَدَقتُ الزُهدَ فيها

                 قَلَبتُ لِأَهلِها ظَهرَ المِجَنِّ

وفي الشعر الحديث أبيات عن قلب الأم لـ إبراهيم المنذر يقول فيها:

أغرى امرُؤٌ يوماً غلاماً جاهلاً

                      بنقوده كيما ينالَ به الوطَرْ

قال ائْتني بفؤاد أمكَ يا فتى

                 ولك الجواهر والدراهم والدرَرْ

فمضى وأغرز خنجراً في صدرها

               والقلبُ أخرجه وعاد على الأثرْ

لكنه من فرط سرعته هوَى

               فتدحرج القلب المقطع إذ عَثرْ

ناداه قلب الأم وهو مُعفَّرٌ

           ولدي حبيبي هل أصابك من ضررْ؟

فكأن هذا الصوت رغم حُنُوِّهِ

              غضبٌ عليه من السماء قد انهمرْ

فاستلَّ خِنجرَه ليطعنَ قلبَهُ

                     طعنا فيبقى عِبرةً لمن اعتبَرْ

ناداه قلب الأم: كُفَّ يَدًا ولا

                   تَطعنْ فؤادي مرتيْنِ على الأثَرْ

ومن الحديث أيضا أبيات لعبد المعطي الدالاتي في حوار مُتَخَيَّل بين عدّاس رضي الله عنه وقطف العنب الذي قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم في عودته من الطائف بعد أن آذوه يقول عبد المعطي الدالاتي فيها:

كانَ عُنقـوداً ندِيّـا

                        رائعَ الحَـبِّ، شهِيّا

قد تَحَلّى.. وتَدَلّـى

                          مُشرقاً مثلَ الثريّا

لم يكنْ يَحسَبُ يوماً

                     أنْ يكونَ القِطْفُ شَيّا

غيرَ عُنقودٍ سيُجنى

                      ثم يُطوى الذِّكرُ طَيّا

قال عَدّاسُ الكريـمُ

                            أيّها القِطفُ! إِلَيّا

زارَنا ضيفٌ عظيمُ

                         وجهُهُ طَلْقُ المُحيّا

قُمْ بنا نَسعـى إليـهِ

                             نَرتوي بالنّور ريّا

نَرتمي بيـن يديـهِ

                          قُمْ بنا نسمو سويّا

أيها العنقودُ! هيّـا

                       نَدخلِ التاريخَ. هيّا

لم نكنْ نحلُمُ يومـاً

                             أنّنا نلقـى النبيّا!

ومثل ذلك كثير وكثير أتأثر به حتى البكاء كلما سمعته أو قرأته.. فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights