مقالات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: لم يتصدّر ولم يتمشيَخ حتّى مات

لفت نظري ما قرأته ذات مرّة في ترجمة الإمام الحافظ الهيثمي صاحب (مجمع الزوائد) المتوفّى عام ٨٠٧ هـ رحمه الله أنه (لم يتصدّر ولم يتمشيَخ حتّى مات)..

إي والله العظيم كما قرأتَها هكذا.. مع كونه إمامًا حافظُا متقنًا، بهر جميع علماء عصره، وحاز ثقتهم وحبهم وثناءهم، وشهدوا له بالفضل والإتقان والحفظ..

وقد عاش رحمه عمره كلّه -تقريبا- في خدمة شيخه حافظ عصره الإمام زين الدين #العراقي؛ ولم يفارقه سفرًا وحضرًا حتّى مات، وحجّ معه جميع حجّاته،

ورحل معه سائر رحلاته، ورافقه في جميع ما سمع بمصر والقاهرة والحرمين وبيت المقدس ودمشق وبعلبك وحماه وطرابلس..

ولم يكن الحافظ زين الدين العراقي يعتمد في شيء من أموره إلّا عليه، فقربّه وزوّجه ابنته خديجة..

وكان الإمام الهيثمي رحمه الله عجبًا في الدّين والتّقوى والزّهد والإقبال على العلم والعبادة والأوراد وخدمة شيخة -كما تقدّم- وعدم مخالطة الناس في شيء من الأمور..

وبعد وفاة الحافظ زين الدين العراقي أكثر العلماء من الأخذ عن الهيثمي رحمه الله، ومع ذلك لم يتغيّر؛

ولم يغيّر حاله ولا تصدّر ولا تمشيَخ، ومع كونه شريكا للشيخ الحافظ العراقي يكتب عنه الأمالي -وربما استملى عليه الشيخ نفسه-

فقد كان رحمه الله يحدث عن شيخه العراقي بعد وفاته لا عن نفسه! ولم يزل على ذلك حتّى مات رحمه الله رحمة واسعة.

تذكرت ذلك عندما رأيت بعض الصغار -سنًّا وعلمًا- وقد تمشيخوا وتنفّخوا وظنّوا أنهم أئمة أعلام.. وما هم -والله- إلا أغرار مخدوعون،

نسأل الله السلامة لنا ولهم، ونعوذ به سبحانه من الوقوع تحت سطوة الغرور والكِبر والتّعاظم والعُجب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى