د. سامي خاطر يكتب: افتضاح صورة النظام الإيراني بعد إبادة غزة
لملالي إيران المُدعين بتبني القضية الفلسطينية أو بالأحرى تبني جانبٍ يروق لها ويتبعها داخل القضية الفلسطينية صورة معقدة في الساحة الدولية، وجزءا من هذا التعقيد هو تحالف الملالي مع مجموعات مسلحة في المنطقة ومنها حركتي الجهاد وحماس في فلسطين اللتان لا تمثلان إجماعاً وطنياً فلسطينياً ولا خياراً سياسياً منقذاً للشعب الفلسطيني وللمنصف أن يستشف الحقيقة من سطور التاريخ المتعلق بنشأة كلا الحركتين وارتباطهما بنظام الملالي الذي أوقع الكثيرين في شباك خداعه، وفي هذا السياق “قد” يتوقع البعض أن يتخذ ملالي إيران موقفا حاداً وعدائياً ضد إسرائيل خاصة في ظل الأحداث الإبادية الجارية في غزة، وبالإضافة إلى النهج السياسي الاحتيالي الذي نشأ عليه نظام الملالي فإن توازن القوى في المنطقة والعلاقات الدولية الدقيقة أمرٌ يجعل من الصعب على النظام الإيراني أن يتصرف بشكل متهور خاصة في ظل سياسة الاسترضاء القائمة بينه وبين الغرب، وهنا لن يصدر عن الملالي سوى بعض التصريحات الهزيلة والشعارات الجوفاء، وبالتالي أصبحت صورة ملالي إيران بعد هلاك غزة أشد قتامة وأكثر سوءاً بعد افتضاح مؤامراتهم ضد دول وشعوب المنطقة وما لحق بهم من عار بعد اقتلاع قنصليتهم نهاراً جهاراً بأيدي صهيونية في دمشق.
تُبرِز الأحداث الراهنة وما تتبعها من تأثيرات وانعكاسات الدور الواضح ومكانة الشخصيات والجهات السياسية بالمنطقة، ومن بين هذه الشخصيات يتقدم ملالي إيران بصورتهم المتعددة والمعقدة، ويتجلى دورهم الهدام بشكل ملحوظ على الساحتين الإقليمية والدولية لاسيما ما يتعلق بالقضايا السياسية والإسلامية، وعلى الرغم أنه من السهل على البعض التبجح بالمزيد من الادعاءات هنا وهناك إلا أنه عندما نتحدث عن “إبادة غزة”، فإننا نشير إلى الأزمة الإنسانية والسياسية الخانقة التي يعاني منها قطاع غزة نتيجة للحروب المتكررة والحصار المفروض عليه من قبل إسرائيل بالتعاون مع بعض الأنظمة الإقليمية ولا نستبعد في ذلك نظام الملالي، وهنا يُثار التساؤل حول موقف النظام الإيراني، وكيف سيتعامل مع هذه الأزمة وكيف ستتأثر صورت بها بعد افتضاح حقيقة مواقفه.
نظام الملالي؛ ونهجه في المنطقة
مُتبعاً سياسات قمعية شوفينية نشأ نظام الملالي بطبيعته على أسس رجعية فكراً وتطبيقاً بطش من خلالها في الداخل بجميع فئات ومكونات المجتمع الإيراني، وانتهج نهجاً طائفياً شوفينياً في الخارج مع ثوابت سياسية عدائية انتهجها مع الدول العربية، ومن هنا فإن سياساته الإقليمية والخارجية كانت على الدوام مصدر توتر واستفزاز وبشكل خاص عند قيام هذا النظام الفاشي بالتدخل في شؤون الدول مُضراً باستقرارها من خلال دعمه للميليشيات والجماعات المسلحة وعصابات التهريب والإتجار بالمخدرات في المنطقة، ومن الأمثلة على ذلك دعم فرقٍ سياسيةٍ وميليشيات مسلحة وعصابات تهريب أسلحة ومخدرات في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وقد تدخل ملالي إيران بشكل فج لدعم نظام الأسد في مواجهة الثورة الوطنية السورية، وفي العراق واجهوا ثوار تشرين بأساليب قمعية إبادية ما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة وتشريد الملايين من أبنائها داخل وخارج أراضي العراق وسوريا، كما يُثير دعم نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران أمنيا وعسكريا وماليا لميليشيات مسلحة مثل حزب الله في العراق ولبنان والحوثيين في اليمن وحماس والجهاد في فلسطين مخاوف إقليمية ودولية.
لفت نظام الملالي منذ استيلائه على الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979 في إيران الأنظار بشعاراته وادعاءاته الدينية والسياسية المتقلبة وهيمنته على المشهد السياسي في البلاد بعدما أقصى كل من يخالف نهجه حتى لو كان إسلامياً، وعلى مر السنين لم يكف الملالي عن إثارة الفتن والحروب والتدخل في مناطق الأزمات لتعزيز وجوده وفقاً لهذه وتلك الأزمات والظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية.
بعد فشل رئيس جمهوريته وحكومته في إدارة شؤون البلاد والخروج من أزماتها أو على الأقل الوفاء بما تعهدوا به من وعود يواجه نظام ولاية الفقيه تحديات عديدة على الصعيد الداخلي، وفي ظل حاجة معظم الشعب الإيراني إلى الطعام والدواء في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدني مستويات الدخل والأجور وارتفاع معدلات الفقر يوجه نظام ولاية الفقيه جانباً من الموارد العظيمة لدولة إيران لدعم الإرهاب وسياسته التوسعية في المنطقة ويواصل نهجه الهدام بالمنطقة، ومع استمرار هذه الأزمات والتوترات والحروب التي يثيرها الملالي إقليميا نتساءل جميعا السؤال عما إذا كان نظام ولاية الفقيه سيتراجع عن تدخلاته ومخططاته العدوانية في المنطقة؟ وهل سيواصل نهجه الحالي بالمنطقة لطالما لم يجد من يواجهه ويصده عن بغيه وغيه؟
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي