مقالات

د. سامي عامري يكتب: كتابٌ بطَعم «التيك توك»!

1- نشرت الكاتبة الإيطالية Annina Vallarino منذ أشهر كتابًا في نقد النسوية عنوانه: “النسوية غير المجدية: الاستضعاف، النرجسية، وأنصاف الحقائق: الأعداء الجدد للنساء”..

وأبرز ما لفت نظري في هذا الكتاب، روح التيك توك وتويتر واليوتيوب التي تفوح منه..

الكتاب يختلف عن الكتب السالفة في هذا الموضوع في أنه يرصد الواقع من خلال معارك وسائل التواصل الاجتماعي،

ويرصد التحوّلات الفكرية والسلوكيّة من خلال «الترندات»،

ويحذّر من مخاطر عمق الانحراف النسوي بين الجيل الجديد (المؤلفة تعتبر نفسها نسوية) من خلال اللغة الجديدة السائدة بين النسويات في تغريداتهن..

الإشارة إلى ظاهرة مزعجة

2-سأتحدّث عن مضمون الكتاب في مقال لاحق إن شاء الله، وأكتفي هنا بالإشارة إلى ظاهرة مزعجة، لكنّها حقيقة يجب ألّا ينكرها مصلح،

وهي أنّه لا يمكن أن يسعى الداعية إلى تغيير الواقع بصورة مباشرة،

ويخاطب الجيل الجديد في همومه الفكرية والمعيشية، وهو مقطوع الصلة بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ وذلك لأسباب:

– وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة صارت الوسيلة الأولى للتلقي المعرفي. وقد تجاوز سلطانها على النفوس البيت والمدرسة بما لا يمكن وصفه.

– هذه المنصّات تخاطب الناس كل يوم، وفي كل نازلة، وبكل وسيلة جادة أو هازلة.

– حركة الأفكار الفوّارة على هذه المنصّات، مكّنتها من أن تغيّر النفوس في أوقات قياسية؛

فما كان يستغرق عقودا من الزمان، قد يتغير اليوم في أشهر أو أقل من ذلك.

– هذه المنصّات صارت اليوم مصنع القدوات، والنجوم، وإن كانوا من خيوط السراب، وتحطّم آخرين، وتقمعهم،

وإن كانوا من خيار أهل الأرض.. والصاحب ساحب؛ فكيف بالقدوة؟!

-الترويج للكفر والخرافة وكلّ ضلالة على هذه المنصّات يسير جدًا؛ فقط كاميرا، ثقة في النفس عند (الهبد)، ومواضيع استفزازية..

3- الخلاصة:

المصلحون أنواع، منهم من يطلب التأثير في الواقع بطريق غير مباشر، كالمهتمين بعلوم الآلة،

كتعليم اللغة العربية والعلوم العقلية كما هي في الكتب، وآخرون يعتنون بالتأثير المباشر في الناس بالتماس مع همومهم مباشرة،

وربط ما في الكتب بما في النفوس. الأولون قد يعذرون -بغير إطلاق- إن جهلوا ما في عالم وسائل التواصل الاجتماعي،

والفريق الثاني إن غاب عنه العلم بهذه المنصّات، غاب عنه نصف العلم، وهو “فقه الواقع”، وكانت صيحته بلا صدى..

في الحقيقة، الأمر مزعج جدًا، ومشكِل أيضًا، فهذه العوالم فيها كثير من الفساد والتفاهة بما ينفّر كل سويّ النفس والعقل،

ولكن لا بدّ للداعية من صناعة طريق إلى هذه العوالم يتيح له أن يدرك محرّكات الواقع، وإلى أين يسير كثير من الناس،

دون أن يتلطّخ بأقذار هذه المنصّات.. وهذا باب يحتاج إلى اجتهاد ونظر..

د. سامي عامري

دكتوراه في الأديان المقارنة مؤلف، محاضر، وباحث في الأديان المقارنة والمذاهب المعاصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights