د. سلمان العودة يكتب: الإسراء والمعراج.. معالم ومعان
هذه الحادثة العظيمة مليئة بالمعالم والمعاني والتي منها:
أولًا: الاكتفاء بالأحاديث الصحيحة الثابتة التي تدل على مجمل الأحداث التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في رحلته هذه، وأما الزيادة على ذلك مما نجده في بعض الكتب، ككتاب اسمه: «الإسراء والمعراج» ينسب لابن عباس، وهو كتاب مليء بالتهاويل والأكاذيب، والحكايات، وليس لها سند لا من عقل ولا نقل، فمثل هذه الأشياء تصور للناس قضايا الإيمان والنبوة كما لو كانت أساطير وخرافات، وتهاويل ومبالغات، مما يجب أن ننفيها عن ديننا، وألا ننساق وراء هذه المعاني التي أشبه ما تكون بمخدرات للعقول والمفاهيم.
ثانيًا: من الواضح جدًّا أن الإسراء كان حقيقة ولم يكن منامًا، كما يدعي بعضهم أن الله تعالى أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال رؤيا منام؛ لأنه لو كان الإسراء رؤيا منام لم يكن هناك كبير شيء، فأي واحد منا ممكن في الليل أن يذهب إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الغرب، وقد يرى نفسه وهو يطير في الأفلاك أو في السماوات، ولن يكون ثمة ميزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
زد على ذلك أنه من المعروف أن المشركين استغلوا هذه الحادثة وقاموا بحملة إعلامية قاسية وشديدة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم: كيف يدعي مثل هذا الأمر، وكيف أنه في ليلة واحدة يذهب إلى الشام وإلى بيت المقدس، مع أن الواحد منا يضرب أكباد الإبل شهورًا طويلة، ومحمد يدعي في ليلة واحدة أنه ذهب ورجع قبل أن يبرد فراشه؟! ومن هنا نكتشف باليقين أن الإسراء والمعراج كان حقيقة.
فكان الإسراء بالروح والجسد معًا، وأما الذين يقولون: أسري بروحه فقط، فهذا قول ضعيف، وإن نسب إلى بعض الصحابة كما ذكره ابن كثير عن معاوية وعائشة رضي الله عنها وغيرهم؛ فهو لا يصح عنهم، والواقع أن جمهور علماء المسلمين يرون أن الإسراء كان بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا سر القوة والإعجاز والعظمة.
ثالثًا: كان الإسراء والمعراج في نهاية العهد المكي وقبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، مما يشير إلى أن من أهم مقاصد الإسراء ربط مكة ببيت المقدس، والإشارة إلى أن أماكن الرسالات السماوية قد تآلفت واندمجت في وحدة لا تنفصل إلى يوم القيامة على يد النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، ولذلك وأنت تقرأ في القرآن الكريم: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: 1-3]. ترى أن هذه الآية جمعت أماكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الأماكن التي نشأ فيها عيسى عليه السلام في بلاد الشام والناصرة وفلسطين، والأماكن التي نشأ فيها موسى عليه السلام في سيناء وما حولها ثم في أرض فلسطين أيضًا، والأماكن التي نشأ وبعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم وهو البلد الأمين والذي هو خاتمة الأمر.
لقراءة الكتاب اضغط 👇
كتاب؛ مع المصطفى صلى الله عليه وسلم – سلمان العودة