مقالات

د. عبد الآخر حماد يكتب: براءة متبعي السلف من مشابهة أهل الضلالة

شاهدت للدكتور أحمد كريمة مقطعاً مصوراً يتهجم فيه على أصحاب المعتقد السلفي الذي يُثبتون صفات الباري على الوجه الذي يليق به سبحانه، دون تشبيه ولا تعطيل، فكان من المضحكات المبكيات أنه لم يجد رداً يرد به على ذلك المعتقد إلا أن يقول: «لما يجي سلفي يقول إن لله يداً لا نعلمها، فإننا نقول له: لو قال النصراني إن الله له ابن ليس كأبنائنا هل يقبل؟». ثم يفترض -هو والشخص الذي يحاوره فيي ذلك المقطع- أن مثبتة الصفات لن يجدوا بداً من الموافقة على كلام هذا النصراني. وتعقيباً على هذا الافتراض الباطل يقول كريمة: «يبقى هم والنصارى واحد في تجسيم الله».

وأقول: سبحان الله، ما أسهل الكذب والبهتان على هذا الرجل وأمثاله، فإن أي مبتدئ في العلم الشرعي يعلم أن هناك فارقاً بين الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه في كتابه أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين ما يدعيه النصارى وغيرهم من أهل الضلالة. ونحن -الذين يسمينا كريمة بالوهابية تارة والمتسلفة تارة أخرى- لا ننطق إلا بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنحن لم نثبت اليدين لله تعالى إلا لأن القرآن نطق بذلك، وكذلك الوجه، وكذلك سائر الصفات الثابتة بالكتاب والسنة. وإلا فنحن لا نجيز لأحد أن يقول إن لله أنفْاً ولكن ليست كأنوفنا، ولا إن لله بطناً ليس كبطوننا. لماذا؟ لأنه لم يرد ذلك في شيء من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك -بل هو من باب أولى- لا يمكننا أن نقبل بنسبة الولد لله تعالى، لا على ما يعتقده النصارى في المسيح عليه السلام، ولا على سبيل الافتراض الذي افترضه أحمد كريمة، وهو القول بأن لله ولداً ليس كالأولاد. بل نبرأ إلى الله تعالى من ذلك كله، وذلك لأن الله تعالى نفى عن نفسه الولد، وبيَّن أن نسبة ذلك لله تعالى هي الكفر المبين والشرك العظيم. ونحن ندور مع نصوص الوحيين حيث دارت. ولذا فإنه لو افترضنا جدلاً أن الله تعالى أخبرنا أن له ولداً لكنا أول المصدقين بذلك، ودليلنا هو القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ). [الزخرف :81]. قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي لو فرض هذا لعبدته على ذلك؛ لأني عبد من عبيده، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض كان هذا. ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا).

والعجيب أن هذا الرجل الذي يخوفنا من مشابهة النصارى، هو نفسه لا يرى كفر النصارى، بل يسميهم إخوته، ويقول بالحرف: إنهم «بمختلف طوائفهم وكنائسهم ليسوا كفاراً»، وإنهم سيدخلون الجنة، وإنه قد ألَّف كتاباً خاصاً في ذلك. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأخيراً أقول لكريمة وأمثاله: إن هذا المعتقد الذي ترمون أصحابه بالتجسيم تارة، وبالتشبيه تارة، وبمشابهة النصارى تارة ثالثة، ليس من بنات أفكار ابن تيمية ولا محمد بن عبد الوهاب، وإنما هو الثابت عن سلف عن هذه الأمة، وعن الأئمة الأربعة، الذين نتفق نحن وأنتم على توقيرهم والأخذ عنهم. وقد ذكرت كثيراً من نصوص أقوالهم في كتابي: «عقيدة الحافظ ابن كثير بين دعاوى التفويض والتأويل»، وهو متوفر على شبكة الإنترنت، فليرجع إليه من شاء. «والله يقول الحق وهو يهدي السبيل».

د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights