د. عبد الرحمن بشير يكتب: حقائق من التاريخ والواقع
أولا: رجل الأعمال إن صار حاكما، وليس في مشروعه بناء الدولة، فهو يحاول بلا كلل إقامة دولة تشبه أسواقا، ومولات، ويحول الدولة إلى شركة خاصة تعمل لأجله بلا حدود، والمواطنين إلى زبون دائمين يعملون في شركاته.
ثانيا: رجل الأمن إذا أصبح حاكما، وليس في عقله الدولة كما هي، فهو يقيم مقارات أمنية، ويحول الدولة كلها إلي فكرة أمنية، فهو يجعل غالب الناس جواسيس، والجميع ضد الجميع، فتنتهي فكرة الدولة في مقارات الأمن الجديدة.
ثالثا: رجل الجيش والعسكر إذا تحول من العسكرية إلي السياسة، فصار حاكما، فهو يقيم ثكنات عسكرية فى كل مكان، ويجعل الجيش الذي كان يجب أن يكون في الثغور في كل مكان، فتصبح الدولة تابعة وخادمة للعسكر، وتنتهي الدولة في الثكنات العسكرية، بل الجيش يتحول إلي كل شيئ في الدولة، ومن هنا تبدأ الدولة تفقد معناها ومبناها، وتصبح بلا جدوي.
رابعا: رجل الأعمال الخيرية إذا تحول من ميادين الخير وأعمال البر، فأصبح حاكما، فهو حينها يقيم جمعيات كبيرة في كل الوزارات، فتصبح الدولة تشبه منظمات خيرية، وينطلق رجالها نحو العالم يبحثون عن المساعدات المادية والمعنوية، وكلما نجحوا فى هذا المضمار، ينطلقون فى الآفاق ليتحدثوا عن النجاحات في مجال جمع الأموال من جيوب الناس في العالمين، ومن هنا نجد أن الدولة تتحول من ميدان البناء إلى ميدان تفقد فيه هيبتها وحضورها.
خامسا: رجل القبيلة إذا صار حاكما، فهو يقيم دولة قبيلته، ويحول المجتمع تابعا لقبيلته، وتصبح قبيلته سيدة القبائل، فتجد رجالها في كل الميادين، فهم الدولة، والآخرون يعيشون في الهامش ينتظرون دورهم، ومن هنا تنتهي الدولة كعرف سياسي، وتتحول إلى دولة عرفية، فالسياسي هنا يقود قبيلة، وليس دولة، ويفكر بعقل قبلي، ولا يملك رؤية سياسية تتجاوز فكرة ( القبيلة )، فحينها تبدأ الدولة تفقد شرعيتها في قلوب الناس، فينتظر الجميع في سقوطها.
سادسا: رجل الدين إذا صار حاكما، فهو يحاول إقامة دولة لطائفته، ويحول الناس جميعا تحت رحمة فكرته الدينية، وتصبح الدولة تحمل شارة دينية خاصة بالحاكم ومجموعته، فهو يرى المعارض كافرا ومرتدا، ويجعل من يوالي له وليا صالحا، وبهذا يوزع ألقابًا دينيا في داخل الدولة، فمن لا يكون تابعا لفكرته الدينية فلا مكان له في دولته، ومن هنا تنتهي فكرة الدولة في حدود فهمه الديني،
أما بعد: يمكن أن يصبح رجل الأعمال حاكما ناجحا، ولكن بشرط أن تكون هناك مؤسسة تدافع عن الدولة من تدخلات العواطف، وعبث الأهواء، ويمكن أن يصبح العسكري رجل دولة، ولكن بشرط أن يغير بدلته العسكرية، ويخرج من صفوف الجيش، ويعيش طويلا في الحياة المدنية، وأن تكون هناك مؤسسات تدافع عن الدولة من تغول العسكر، ويمكن كذلك كل واحد من الناس أن يصبح رجل دولة، وحاكما، وهذا من حقوقه المشروعة، ولكن فلا مناص من التغيير السياسي قبل التغيير الشخصي، ومن الثورة الفكرية قبل الإصلاح السياسي، ومن صناعة المؤسسات التي تجعل الدولة مسألة مهمة قبل أن يصل الناس إلي الحكم، وإن لم نعمل ذلك فنحن سنكون في تيه أبدي، نكرر الأخطاء، ولا نتغير.