١ – لا مشكلة فى الدين ، المشكلة كل المشكلة فى نوع التدين ، هناك تدين زائف ، ومغشوش ، وشكلي ، وعقيم ، وهناك رجال دين يتاجرون باسم الله ، ويتزوجون النساء بلا عدد ، ويستغلون عواطفهن بلا رحمة ، ويرفعون أصواتهم للدفاع عن التدين الزائف ، ولا صوت لهم فى الدفاع عن حقوق الناس ، وهناك من يصنع التدين المغشوش فى المحافل الوطنية ، والعالمية ، ولديه حديث غير عادي عن المرأة القريبة من فكرة ( الشيئ ) ، فالمرأة عندهم شيئ من أشياء الرجل ، ومتاع من أمتعته ، وليست إنسانا لديها الحقوق والواجبات ككائن إنساني .
٢ – لا مشكلة فى الإسلام ، المشكلة كل المشكلة فى نوع الإسلام ، هناك إسلام عنيف ، يقتل الناس باسم الله ، وينشر الرعب فى الناس باسم الله ، فالله عندهم جبّار ومنتقم فقط ، وليس هناك حديث عن الله الرحمن الرحيم ، العدل اللطيف ، العفو الغفور ، ولهذا يتحدثون بشكل دائم عن عذاب القبر ، ومحنته ، ولا يتحدثون عن محن الفساد السياسي ، وعذاب الدنيا ، ولا يتناولون فى خطاباتهم عن الرشى السياسية ، والفساد الاقتصادي ، وليس لديهم برامج فكرية فى إصلاح الراعي والرعية كما فعل ابن تيمية رحمه الله ، وهناك إسلام رسمي يتكلم باسم النظام ، ولا يعطى مساحة لحقوق الشعب فى خطابه ، ولدينا إسلام روحي ، كل همه الآخرة ، أما الدنيا فهي دار للكافرين ، وليست دارا للمسلمين ، وهناك إسلام سياسي ، كل همه الوصول إلى السلطة ، والبقاء عليها إن وصل ، والحقيقة أن الإسلام أكبر من ذلك كله .
٣ – لا مشكلة فى المساجد ، المشكلة كل المشكلة فى نوع المسجد ، هناك مسجد لا حديث فيه سوى طاعة الحاكم ، وسوق الجماهير نحو سوق الخنوع باسم الله ، هناك علاقة حميمية فى مساجد ضرار ما بين الحاكم ، والله ، فلا مساحة لخطاب الواعظ للشعب المسحوق ، ولا للجماهير الكادحة ، فالواعظ راهب فى الشكل ، تاجر فى المضمون ، فقد تحول المسجد إلى مؤسسة ، وليس مشروعا تحرريا ، بل هو مشروع للاستخدام الوظيفي المؤقت . والإمام موظف ، وليس خادما للسماء ، فهو يقول ما تراه الأنظمة صوابا ، إنه بوق من أبواق النظام ، وليس موقّعا من رب العالمين .
٤ – لا مشكلة فى النصوص ، المشكلة كل المشكلة فى نوعية الخطاب الذى يتبنى فى توظيف النصوص ، هناك من يبحث من النصوص العنف بكل أشكاله ، وهناك من يبحث من النصوص تلك التى تطالب الطاعة والسمع للحكام ، وهناك من يخاف تلك النصوص المتضافرة ، والتى تتبنى الشورى والعدل والمساواة ، وأولوية الناس على الحاكم ، المشكلة فى التوظيف ، وليست فى النصوص ، لدينا مئات من النصوص تم تجاوزها لأسباب سياسية ، ومئات أخرى من النصوص تم إخفاؤها لأسباب منهجية ، ومئات من النصوص تم. تجاوزها خوفا من حقوق الناس ، إنها الأزمة الفكرية والعقلية فى التعامل المنهجي مع النصوص .
٥ – لا مشكلة فى الجهاد ، المشكلة كل المشكلة فى من وراء الجهاد ، هؤلاء الحكام الذين يستخدمون الشباب ، ويشجعونهم على الجهاد فى بعض الدول ، ثم يتبرؤون منهم ، من صنع المجاهدين فى أفغانستان ؟ وفى سوريا ؟ وفى العراق ؟ وفى الصومال ؟ إنه بترول الخليج ، والرز السعودية ، ولأوامر أمريكية ، واليوم ، يتبرؤون عنهم ، وكانوا يخططون فى إشغال الشباب المسلم عن الصحوة ومطالبة الحقوق ، وتشويه سمعة الجهاد ، ذهبوا إلى أفغانستان للدفاع عن بيضة الإسلام بفتاوى علماء السلطة وغيرهم ، ولما رجعوا ، قيل عنهم إرهابيين ، والذين يقولون ذلك ، هم العلماء أنفسهم ، بئس القوم هم .
٦ – لا مشكلة فى الجماعات الدينية ، المشكلة كل المشكلة فى نوعية الفكر السائد عندهم ، كل جماعة تؤمن بأنها الناطق الرسمي باسم الله ، وأنها تمثل السماء فى الأرض ، بل هي الحقيقة المطلقة ، ولهذا تسمع من السلفي أنه على طريق السلف الصالح ، وأن الآخرين فى ضلال مبين ، وتسمع من التبليغي أنه على خطى محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن النجاح والفلاح محصور عندهم ، وتسمع من الإخواني أن شمولية الدين لديهم دون غيرهم ، وأن الآخرين يعيشون فى التبعيض ، ويرى الجهادي بأن الجماعات الأخرى فى لهو ولعب ، وهكذا ، ولكن التنوع والتعدد من روائع الحياة ، يا ليتهم قالوا لنا : نحن مدارس ، وطرق ، وشوارع ، والهدف هو الخدمة للدين والشعب من منظور ترجّح لدينا ، فالصواب عندى ، وقد يكون صوابى ليس صوابا ، وغيرى على خطأ ، ولكنه قد يكون هو أيضا على الصواب ، والشعب هو المرجح ، وكذلك الدليل ، او مصلحة المسلمين .
٧ – لا خوف من الحرية ، والخوف كل الخوف من حرية وراءها أجندات أجنبية ، فهناك من يحمل الفكرة من الخارج ليفرضها على الناس بالقوة ، وهناك من يحارب الحرية ، لأنها فى رأيه تنازع الدين ، ولهذا فالناس عندنا مذهبان ، مذهب يدافع عن الحرية ، ومذهب ينازع الحرية ، ونحن مع الحرية ، ولكن بدون أجندات خارجية ، فالحرّ من تحرّر عن التبعية بكل أنواعها ، وأشكالها ، فلا حرية لمن يعيش على أفكار غيره ، ويطالب من غيره أن يجعله زعيما على قومه ، فهذا طائش ، وليس حرًّا ، ولا يخاف من الحرية الحقيقية إلا عبد قرّر أن يعيش فى العبودية حتى الرمق الأخير ، وأكثر الناس خوفا من الحرية متدينون فهموا ، أو أُفهموا خطأ بأن الدين قيود ، وان الحرية انفلات من القيود ، وهذا الفهم المقلوب هو وراء الخوف من الحرية .
٨ – لا خوف من الحداثة ، الخوف كل الخوف من حداثة تحارب الثوابت ، وتغير الإنسان ، وتجعله شيئا من الأشياء ، وسلعة من السلع ، وتحوصله ، بل وتحاول تجاوز الإنسان لغير صالح الإنسان ، فهذه ليست حداثة ، ولا تطوّرا ، بل هذا يعتبر تراجعا ، وتخلفا ، وربما يتم ذلك لتجاوز الإنسان ، ولصناعة عالم ما بعد الإنسان كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله .
ليس من الحداثة أن أرفض القديم لأنه قديم ، أو أن أقبل الجديد لأنه جديد ، بل يجب أن تكون للإنسان معايير موضوعية ، وعقلانية للرفض والقبول ، فليس كل جديد نافعا ، كما أنه ليس كل قديم ضارا ، بل ليس كل ما هوغربي نافعا ، وليس كل ماهو عربي أو أفريقي ضارا ، فهذا النوع من التفكير غير إستراتيجي .
٩ – لا خوف من العقلانية ، الخوف كل الخوف هو تأليه العقل ، ومنحه قوة فوق طبيعته ، فالعقل هبة الله للإنسان ، ولا ينازع العقل خالقه ، ولكن هناك مدرسة فى الغرب ألّهت العقل ، وألغت النص ، بل وتجاوزت ( الله ) ، ولكن لا مشكلة فى العقل حتى ولو أخطأ ، فالعقل هو أهمّ ما فى الإنسان ، به تمّ تكريم الإنسان ، وتكليفه ، ولولا العقل لصار الإنسان حيوانا من الحيوانات ، وليس صحيحا ما قيل فى الإنسان أنه حيوان ناطق ، بل أهم من ذلك أن يقال أنه : حيوان مفكر ، ولهذا فهو ناطق ، وذكي ، ومريد ، فلا شرف له بدون العقل .
إن الذين يحاربون العقل باسم الدين يلغون إنسانية الإنسان ، والذين يؤلهون العقل باسم العلم يلغون إنسانية الإنسان ، الوسطية هي الحل ، فلا مجال لإنسان بدون عقل ، ولا مجال لإنسان كامل بدون إله .
١٠ – لا مشكلة فى التراث ، المشكلة كل المشكلة فى تقديس التراث ، وفى إلغائه عن الساحة ، فالتراث الإسلامي حديث عن عظمة الأمة المسلمة ، وغناها الفكري ، وثراءها الفقهي ، كيف نعرف ما قدمت الأمة فى الحضارة الإنسانية لو تجاوزنا عن عظمة الفقه الإسلامي ومدارسه ؟ وعن عظمة الفلاسفة ومقاصدهم ؟ وعن عظمة العقول الجبارة فى البحث العلمي والفكري ؟ وعن الفنون بكل أنواعه ؟
إن المشكلة تكمن فى السلفيين الذين يَرَوْن عظمة الأمة فى منهج أحمد بن حَنْبَل وابن تيمية وتلميذه ، ومحمد بن عبد الوهاب ومدرسته ، أو الصوفيين الذين يحصرون عظمة التراث فى الإمام الجنيد ، أو عبد القادر الكيلاني ، أو ابن العربي ، وجلال الدين الرومي وغيرهم ، فهذا كله ليس صوابا ، فكل مدرسة فى التراث لديها إيجابيات وسلبيات ، ولكن نحن اليوم فى لحظة الانفجار المعرفي يحب أن نقرأ التراث بعقلية هاضمة ، وفكر مفتوح ، فلا خوف من رأي مدرسة معينة فى التراث ، ولا تضخيم لرأي مدرسة محددة ، بل يجب أن نقرأ أفكار الجميع لأجل أن نستفيد ، ونعرف الثغرات ، ونكمل المسار ، ونتجاوز مسألة تقديس التراث ، وتدنيسه .
إن القراءة العميقة ، والموضوعية ، والهادفة ، والقوية ، والمركزة وراء النجاح فى تجاوز المتناقضات ، والوصول إلى المبتغى ، فلا بديل عن القراءة ، والقراءة الحقيقية لا تعنى ترديد الأفكار الجاهزة ، بل المناقشة العميقة مع المكتوب بعقل ناقد ، وقراءة فاحصة ، ولهذا ندعو الشباب المسلم التحرر من قراءة الأفكار الجاهزة من قبل بعض المدارس التى ترى البقاء في أحضانها الحل الوحيد ، فالحل هو أن يتحرر العقل من القيود ، والسلاسل ، والأغلال ، ويومها فقط نعرف لذة الفكر ، ونضع أقدامنا طريق الحرية ، فلا خوف من العقل العلمي ، ولا خوف من القراءة المنهجية ، والسلام .