قال الله تعالى في كتابه المجيد: “وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على ٱلملائكة فقال: أنبئونى بأسماء هٰٓؤلاء إن كنتم صٰدقين، قالوا۟: سبحٰنك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت ٱلعليم ٱلحكيم، قال: يآ آدم أنبئهم بأسمائهم، فلمآ أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إنىٓ أعلم غيب السمٰوٰت والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون”. (سورة البقرة 31-33).
اختلف الناس في المعنى المراد بالأسماء التي علَّمها الله تعالى آدم عليه السلام، وهذا الاختلاف مذكور في كتب التفسير، وهو مشهور معروف، فلا حاجة لنا إلى عرضه، وإنما نعتني هنا ببيان المعنى الذي يتوافق مع السياق ويتسق مع اللسان العربي المبين.
السياق هو أن الملائكة لم يتضح لهم الغرض من جعل الله آدم خليفة في الأرض، فالذي ظهر لديهم أن الخلق الذي يفوض الله إليه السلطان في الأرض سيسفك فيها الدماء ويعيث فيها فسادا، والملائكة عباد لله مكرمون، وما أبعدهم عن أي شيء يشبه طعنا في حكم الله وقضائه، فقالوا تنزيها لله عز وجل: “ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك”، وإنما توخوا من وراء قولهم ذلك أن يقفوا على شيء من حكمة الله تعالى في هذا الخلق الجديد الذي يملك سلطانا، ولما كان سؤالهم سعيا منهم للفهم لا للإنكار كشف الله لهم عن بعض حكمته، وأجاب بجوابين: جواب إجمالي كلي: “قال إني أعلم ما لا تعلمون”، وهذا الجواب الكلي يصلح لكل سؤال ناشئ من أوامر الله وأفعاله ويكفي المؤمنين شفاء لصدورهم ويزيدهم إيمانا بربهم.
وجواب تفصيلي: وهو أن الله عز وجل أراد أن يدفع شبهة الملائكة بما يبين لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة ما الذي قصد الله بهذه الخلافة، فأكد لهم أن الغرض من خلق آدم هو ذريته الطيبة الصالحة، فعلَّم آدم أسماء أولاده المصطفين الذين خلق الله آدم من أجلهم، وروى الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن الأسماء أسماء ذرية آدم، والاسم يعم كل ما يتم به التعريف، فيدخل فيه الصفات والنعوت، فعلَّم آدم أسماءهم وصفاتهم من الصلاح والتقوى والصدق والشكر والصبر والإحسان والإسلام لله رب العالمين وذكره والقنوت له والتسبيح بحمده بكرة وأصيلا.
“ثم عرضهم” أي عرض بني آدم المصطفين: نوحا وإبراهيم وموسى ومريم وعيسى ومحمدا ومريم وخديجة وعائشة وأمثالهم على الملائكة، وسألهم: أنبئوني بأسماء هؤلاء، مشيرا إليهم، وقال: هل ترون أن هؤلاء يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض؟
“إن كنتم صادقين”: فيما زعتم من أن بني آدم إنما يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.
وانبهر الملائكة برؤية وجوه أولئك المصطفين الأخيار، وتبين لهم بمجرد هذه الرؤية خطأ ظنهم، فقالوا۟: “سبحٰنك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت ٱلعليم ٱلحكيم”.
فقال الله لآدم إتماما للبيان: يآ آدم أنبئهم بأسمائهم، فقام آدم وقال لهم: هذا ابني نوح وهو نبي مرسل وعبد لله شكور، وهذا ابني إبراهيم حليم أواه منيب، وحنيف مسلم، وهكذا وصف للملائكة أبناءه المصطفين واحدا تلو الآخر وصفا جامعا كاملا.
وهذا التفسير يتناسب مع الضمير “هم”، واسم الإشارة “هؤلاء”، والأصل في ضمير “هم” أن يرجع إلى ذوي العقول، و”هؤلاء” يؤكد أنهم بين أيديهم تصح الإشارة إليهم.
فلمآ انتهى آدم من وصف أولاده للملائكة وتجلت لهم حكمة الله تعالى في جعل آدم خليفة قال الله: ألم أقل لكم إنىٓ أعلم غيب السمٰوٰت والأرض.
وكان الملائكة قد أدركوا خطأ ظنهم عندما قال الله لهم: “إنيٓ أعلم ما لا تعلمون”، ومع ذلك تفضل الله عليهم بهذا العرض والبيان العملي ليتجلى للملائكة فهم حكمة الله بشكل أفضل، ويظل شهادة إلى يوم القيامة.