إن تأثير الهجمات الإسرائيلية على إيران سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد المصري، ولكن بمستويات مختلفة فالتوترات الجيوسياسية في المنطقة لها تأثيرات متعددة الأوجه، تظهر بشكل خاص في جانبين رئيسيين:
1- تفاقم الضغوط التضخمية:
تتأثر مصر بشكل مباشر وغير مباشر بالصراعات الإقليمية من خلال عدة قنوات:
ارتفاع أسعار السلع الأساسية: نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي يزيد من تكاليف الواردات لمصر حيث يعتبر النفط والقمح من أبرز السلع التي تتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية. فما بين 12 و13 يونيو 2025، شنت إسرائيل ضربات جوية على منشآت طاقة إيرانية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بحوالي 7% دفعة واحدة، مما يزيد من فاتورة واردات مصر من الطاقة، وينعكس بدوره على تكاليف الإنتاج والنقل محليًا. ومن المتوقع ان يواصل سعر النفط الارتفاع لاحقاً مع تعزيز الطلب على الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار. ومع إغلاق اسرائيل خط الغاز ستحتاج مصر إلى تأمين مصادر بديلة للطاقة للحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية والصناعات التي تعتمد على الغاز كمصدر رئيسي للطاقة، وقد يؤدى نقص الغاز إلى زيادات في تكاليف الإنتاج، خاصة في الصناعات كثيفة الاستخدام له
اضطراب سلاسل الإمداد: يمكن أن تؤثر التوترات على حركة الملاحة في الممرات المائية الرئيسية مثل قناة السويس، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المستوردة. وبما أن مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، فإن أي تعطيل لسلاسل الإمداد أو ارتفاع في الأسعار العالمية للحبوب سيؤثر بشكل مباشر على تكلفة الغذاء للمواطن المصري.
توقعات التضخم: الزيادة في أسعار النفط تُرفع تكلفة الإنتاج والنقل للاستهلاك المحلي، ما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية.
2- هروب الأموال الساخنة وتأثيرها على سعر الصرف:
تعتبر “الأموال الساخنة” أو استثمارات المحافظ الأجنبية قصيرة الأجل من أكثر مصادر التمويل حساسية للتقلبات الجيوسياسية والاقتصادية وقد شهدت مصر دخولها بكثافة منذ مارس 2024 حوالي 38 مليار دولار بعد رفع الفائدة وتعويم الجنيه، ففي أوقات التصعيد يميل المستثمرون الأجانب إلى سحب استثماراتهم من الأسواق الناشئة التي تُعتبر ذات مخاطر أعلى، بحثًا عن ملاذات آمنة. هذا السحب للأموال الساخنة يضع ضغطًا هائلاً على احتياطيات مصر من العملات الأجنبية مما يؤدي خروج الأموال الساخنة إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي لسداد هذه الاستثمارات، مما يترتب عليه تراجع قيمة الجنيه والذي يزيد بدوره من تكلفة الواردات، مما يغذي الضغوط التضخمية بشكل أكبر.
يتعين على الحكومة المصرية في تلك الظروف البحث عن استقرار تمويلي طويل الأجل وتبني استراتيجيات تمويلية أكثر استدامة وأقل عرضة للصدمات الخارجية. يتمثل أحد أبرز هذه التوجهات في:
* طرح أدوات تمويل طويلة الأجل حيث تسعى الحكومة حاليًا وبشكل متزايد إلى تنويع مصادر تمويلها والتحول بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الأموال الساخنة. ويشمل ذلك السندات الدولية طويلة الأجل مما يوفر تمويلاً مستقرًا نسبيًا ويقلل من الحاجة إلى إعادة التمويل المتكررة في ظل ظروف السوق المتقلبة وكذا الصكوك السيادية، التركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) حيث تعمل الحكومة على تحسين مناخ الاستثمار لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تعتبر أكثر استقرارًا بطبيعتها ولا تتأثر بالتقلبات قصيرة الأجل بنفس درجة الأموال الساخنة. هذه الاستثمارات تخلق فرص عمل وتضيف قيمة مضافة للاقتصاد. وتحجيم الاعتماد على الأموال الساخنة، تنويع مصادر واردات السلع الأساسية لتقليل الاعتماد على عدد محدود من الموردين والتخفيف من مخاطر اضطراب سلاسل الإمداد، تعزيز الإنتاج المحلي لتقليل فاتورة الواردات وزيادة الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، الحفاظ على مرونة سعر الصرف لامتصاص الصدمات الخارجية والتعامل مع تقلبات التدفقات الرأسمالية.
إن تبني رؤية اقتصادية شاملة تركز على الاستدامة والمرونة سيساهم في حماية الاقتصاد المصري من تداعيات الأحداث الطارئة، ويضمن مسارًا نموًا مستقرًا ومستدامًا على المدى الطويل